يا نفس! إن الأصناف الشريفة ترد من عالمها إلى عالم الطبيعة ورود مختبر له. فإذا استعملت الآلات التى تشافه بها الطعوم والروائح والمبصرات وجميع الآلات العارضة فى الحس نسيت عالمها وجميع ما فيه وظنت أنه لا شىء غير ما هى مشاهدته فى الحس فحينئذ تنسى عالم العقل وتعدم ذكره. فإذا زالت عن النوع الناطق قيل إنها قد ماتت ومضت مع جريان الطبيعة. فمتى عادت إلى الكون الأول، ثم ذكرت عالمها بعض الذكر قيل إنها قد حييت من مماتها وحينئذ تتعلق بالمعنى الذى قد ذكرته مستكشفة له وباحثة عنه وعن جميع المعانى التى نسيتها أولا. فكلما عقلت شيئا مما نسيته تجلى بصرها وقويت صحتها وفارقت مرضها. وعند ذلك تدرك ببصر عقلها أن جميع ما هى مشاهدة له فى عالم الحس إنما هو خيالات أشياء، لا أشياء بالحقيقة. وظل الشىء هو ظل الشىء بالحقيقة على وجه الأرض أو الماء. وإنما عرض للنفس مرابطة أشكال الأنواع دون الأنواع عينها بنسيانها عالم العقل أولا عند ورودها إلى عالم الحس. وبتأملها هذه المعانى وذكرها لها تكون صحتها من مرضها، وعقلها بعد جهلها، فتذهب راجعة إلى تأمل المعانى الحقيقية والحياة الدائمة السرمدية.
صفحة ٨١