يا نفس! هذه دار المحسوسات ودار المعقولات محضرة بين يديك، وكلاهما قد خبرته وشافهته، فتخيرى أيهما شئت لا مدفوعة ولا ممنوعة، واذهبى إلى أحظاهما عندك. فإن اخترت اللبوث فى دار الحسن فأقيمى على ما قد خبرته وعرفته. وإن أحببت المصير إلى دار العقل فينبغى لك قبل الانفصال أن تتصورى معنى طريقك وسلوكك إياه على ترتيبه محلا بعد محل حتى تنتهى إلى محل المستقر. — فإن كنت، يا نفس، ذاكرة لهذا الطريق فاحذرى أن يحول بينك وبينه النسيان والخوف وقت الانفصال فتضلى وتتوهى. وإن كنت يا نفس ناسية لهذا الطريق فتذكريه واستعينى على تذكره بوصف سالكيه وخابريه فإنهم أثمة الهدى ومصابيح الدجى والأدلاء على المسلك الأعلى إلى الانتهاء. واعلمى يا نفس أن كل شىء يذهب وينتقل إلى العلا ينبغى أن يكون خفيفا صافيا نقيا ليكون أسرع لممره إلى غايته، وأن كل شىء يذهب نحو السفل ينبغى أن يكون ثقيلا كدرا، وعلى حسب كدره وثقله تكون سرعة ممره إلى غايته.
صفحة ٨٠