يا نفس! أنت صافية فلا تصحبى كدرا، وأنت نيرة مضيئة فلا تصحبى مظلما، وأنت حية ناطقة فلا تصحبى ميتا أبكم، وأنت عالمة عادلة فلا تصحبى جاهلا جائرا، وأنت طاهرة نقية فلا تصحبى نجسا دنسا، وأنت متصرفة بالتمييز والإرادة العقلية فلا تصحبى المتحرك حركة الهيام والالتباس والتشويش. فإن أنت لم تتحققى شرحى هذا فأرينى كيف يكون الاتفاق من معانيك التى ذكرتها بمعانى سواك؟! ومن المحال يا نفس أن يثبت لك اجتماع المخالفين فى معنى واحد. فثقى يا نفس بقولى، وارجعى إلى ما رسمته لك وحددته تجدى الحق وتظفرى بالصواب.
يا نفس! ما أشغل الغريق فى الماء عن صيد السمك! وكذلك ساكن الدنيا: ما أشغله عن مقتنياتها ولذاتها بخلاص نفسه إن فطن لسوء وقوعه فيها! يا نفس! يكفيك وأنت فى عالم الحس ما تقاسينه من آلاتك وأضدادها وأوساخها، فلا تضيفى إلى آلاتك شخصا آخر، فتكونى كالغريق المرتهن فى البحر قد حمل على عاتقه حجرا؛ وما أرى أن غريقا ينحو من البحر مجردا بنفسه، فكيف إذا حمل على عاتقه آخر غيره!
يا نفس! إن سلوك طريق النجاة من قبلك يكون بحسب ما تعرفينه وتختبرينه وذلك أنه إن كانت معرفتك بالمحسوسات فقط، فإنه فى وقت انتقالك إلى ما علمته تنتقلين، ونحوه تتجهين، وبه تغتبطين. وإن كانت معرفتك بالمعقولات وآثرتها على غيرها، فنحوها تتجهين، وإليها تنتقلين، وبها تغتبطين.
صفحة ٧٩