بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى
صفحة ١
ما جاء في قصة هاروت وماروت 1- أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ، قراءة علينا من لفظه ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزقويه ، بقراءتي عليه في شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وأربعمائة ، قال : أخبرنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، وأحمد بن سندي الحداد ، قالا : حدثنا الحسن بن علي القطان ، قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى ، قال : أخبرنا إسحاق بن بشر ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، وعثمان ، عن ثور ، عن مكحول ، ومقاتل ، عن الضحاك ، وابن سمعان ، عن من غيره ، يبلغ به ابن عباس ، حدث كل هو لي بحديث هاروت وماروت ، قالوا : إن الله عز وجل لما رفع إدريس عليه السلام مكانا عليا ، وقال بعضهم : إنما مات في السماء الرابعة ، وقال : لما رفع وأدخل الجنة ، كل قد قالوا والله أعلم : أي ذلك كان ؟ قالت الملائكة : ما بال هذا الخاطئ ابن الخاطئ بين الملائكة الذين لم يخالطوا الأدناس والذنوب ؟ فأوحى الله إلى الملائكة إنكم عيرتم ولد آدم بالذنوب ، وزعمتم ما بال هذا بين أظهركم ؟ فانتخبوا مائة من أفاضلكم ، قال : فانتخبوا مائة من أفاضلهم ، ثم قال : انتخبوا عشرة من أفاضلكم قال : فانتخبوا عشرة ، ثم قال : انتخبوا ثلاثة من أفاضلكم فانتخبوا عزرا ، وعزرائل وعزريا فقال الله عز وجل : إني أهبطكم إلى الأرض فتكونوا حكاما فتقضوا بينهم بالحق ، وتخالطوهم في المشرب والملبس والمأكل ، وأجعل فيكم اللذات والشهوات ، قالوا : نفعل ، قال : أوصيكم بوصايا وأنهاكم عن أشياء فانتهوا ، قالوا نفعل قال : أوصيكم أن تعبدوني وتقيموا العدل وتعدلوا بين الناس ، وأنهاكم أن تشركوا بس شيئا وإياكم وقتل النفس الحرام وشراب الخمر والزنا ، قال : ثم قال لهم : اهبطوا إلى الأرض ، قال فهبطوا يخالطوا الناس في المشرب والمطعم والملبس ، وجعل لهم المذاكير ، وجعل فيهم الشهوة كشهوة ابن آدم ، وكانوا يقضون بالنهار ويرتفعون بالليل إلى السماء كأحد الملائكة ، وجبلوا على طبائعهم ، وإذا هبطوا إلى الأرض كانوا في حد بني آدم وطبائعهم ، فلما رأى عزرا ذلك ، وعرف الفتنة ، وعلم أنه لا طاقة له ، فاستعفى ربه جل وعز ، واستقاله فأقاله ، وبقي عزريا ، وعزرائل ، فكان أحدهما صاحب الأمر والآخر صاحب القضاء ، فكان يقضيان في الأرض بالنهار ، ويرتفعان بالليل ، حتى جاءت إليهما امرأة أجمل أهل زمانها ، كانت تسمى بالعربية زهرة ، أناهيد ، وبالفارسية بهذخت قال : فجاءت وعليها قباء من حديد ، وقد شدق وسطها بمنطق من قز ولها ذوائب تبلغ عجيزتها ، قال : دخلت تشكو بعلها ، فوقعت في نفس كل واحد منهما ، وكتم كل واحد منهما شأنهما صاحبه ، ثم قالا لها : أين منزلك ؟ قالت : في موضع كذا وكذا قالا لها : ارجعي يومك حتى ننظر في أمرك فلما قاما عن مجلسهما من يومها ذلك ذهب كل واحد منهما سواء دون صاحبه إلى منزلها ، فاتفقا جميعا على الباب ، فأخبر كل واحد منهما صاحبه بالذي وقع في نفسه منها ، فاستأذنا عليها فأذنت لهما ، ثم راوداها ، فقالت : لا يستقيم هذا أنتما على غير ملتي ، وديني مخالف لدينكما ، فإن أردتما ذلك فادخلا في ديني واسجدا لصنمي ، فقال بعضهم لبعض : هذا الشرك والله جل وعز لايغفر أن يشرك به قالت : فإذا أبيتما ذلك فعندي جارية أملكها أزينها بزينتي ، وأطيبها بطيبي ،وأحليها بحليتي ، وألبسها ثيابي ، فشأنكما وشأنها : قالا : إياك أردنا قالت : أما إذا أبيتما فاشربا خمرا قالا : هذا اهون فمن زاد منهم في الحديث ، وهو قول ثور ، عن مكحول ، أنها قالت لجاريتها : ائتيني بخمر حمراء ، وبخمر بيضاء ، فإذا طعما فأمرتك أن تسقيهما ، فامزجي الحمراء بالبيضاء واسقيهما ففعلت ، فلما أن شربا طاب لهما ، فقالا : زيدينا فزادتهما ، فسكرا ، فواقعا جميع ما سألتهما .
2) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : فقال عثمان : عن ثور ، عن مكحول ، عن معاذ ، قال : قال رسول الله : " الخمر مفتاح كل شر ، وإن خطيتها لتعلو الخطايا ، كما إن شجرتها تعلو الشجر " قال : فلما سكرا من الخمر ، قالا لها : أمكنينا من نفسك قالت : لا دون أن تسجدوا لصنمي فسجدا ، فقالا : أمكنينا من نفسك قالت : إذ دخل عليهم سائل ، فقالت : إن هذا سيذيع علينا فاقتلاه ، فقتلاه فقالا : أمكنينا من نفسك قالت : نعم ، لكن علماني الاسم الذي تصعدان به إلى السماء ، فعلماها قال : فتعلمت فارتفعت في الهواء ، فلم تبلغ حتى مسخها الله كوكبا فكان عمر رحمة الله عليه إذا نظر إلى الزهرة يقول : " بئست المرأة كنت فتنت ملكين " وإذا نظر إلى سهيل اليمن يقول : " بئس الرجل كنت عشار اليمن ".
(3) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، أنهما قالا لها : أمكنينا من نفسك بعدما شربا الخمر ، وقيض الله لهما ملكا على صورة سائل باسط إليهم ، أن تصدقوا ، فحملا عليه بالسيف ليقتلاه ، من بينهم فأفاقا عند ذلك ، ورجعت إليهما أنفسهم .
(4) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا إسحاق أبو حذيفة ، قال : حدثنا ابن سمعان بن فهد ، قال : تمثل لهما إبليس في صورة سائل والله جل وعز أعلم أي ذلك كان وقال بعضأهل العلم : ما كانا ملكين ، إنما كانا عبدين .
صفحة ٤
( 5) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، وعثمان ، عن ثور ، عن مكحول ، عن معاذ ، قال : لما رأت ذلك الملائكة من شأنهما خفقت أجنحتها في البيت ، ثم قالوا : اللهم اغفر لولد آدم ، عجبا كيف يعبدون الله ويطيعونه على ما فيهم من الشهوات واللذات .
(6) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا عثمان ، عن محمد بن السائب الكلبي ، قال : فاستغفرت الملائكة بعد ذلك لولد آدم ، فذلك قوله . { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض}.
صفحة ٥
( 7) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن جويبر ، عن الضحاك ، وعثمان ، عن ثور ، بإسنادها ، قالا : لما أن أفاقا جاءهما جبريل عليه السلام من عند الله جل وعز ، وهما يبكيان ، فبكى معهما ، وقال لهما : ما هذه البلية التي أحجف بك بلاؤها وشقاؤها ، قال : فبكيا إليه ، فقال لهما : إن ربكما يخيركما بين عذاب الدنيا وأن تكونا عنده في الاخرة في مشيئته ، إن شاء عذبكما ، وإن شاء رحمكما ، وإن شئتما عذاب الآخرة ، فاعلما أن الدنيا منقطعة ، وأن الآخرة دائمة ، وإن الله بعباده رحيم ، فاختارا عذاب الدنيا- ، وأن يكونا في المشيئة عند الله -، قال : فهما ببابل فارس معلقين بين جبلين في غار على الأرض يعذبان كل يوم طرفي النهار إلى الصيحة ، هؤلاء باستنادهم في قول الله عز وجل { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } وإنما سماهما هاروت وماروت لأن هاروت هماز ، وماروت لماز ، لأنهما همزا ولمزا ابن آدم بغيا وحسدا ، فقالوا هؤلاء بإسنادهم : إنهما لا يعلمان السحر ولكن لما أبلاهما الله باللذات والشهوات لم تنقطع عنهما شهوة النساء ، فسألا جبريل عليه السلام ، فأعطاهما شيئا لا يدري ما هو ينقطع عنهما بذلك شهوة النساء ، فقيل لمعاذ : وما هو ؟ وما اسم ذلك الكلام ؟ قال : السحر ، ولا يدرى ما هو ، فاذا ضرب عليهما تلك الشهوة نادى أحدهما صاحبه بذلك الكلام ، فأجابه صاحبه بمثله ، فينقطع عنهما أياما ، وإن السحر إذا تعلما السحر لم يطيقوا أن يأخذوا رجلا عن امرأته ، ويفرقوا بينها وبين زوجهاإلا بذلك الكلام ، فإذا استفرغ أحدهم علم السحر واستحكم امره ، انطلق إليهما حتى يدخل إليها وهما يعذبان فيعلمانهما أن ما جاءوا ليتعلموا ما يصنعون عند محاولة بعضهم بعضا عند شهوتهما، فبقولان للسحرة { إنما نحن فتنة } يعني اعتبارا لأهل السماء { فلا تكفر} فتتعلم السحر ، قال : والساحر لا يجيبها ولو أجابها لم يصل إلى تعلم ما يقولان ، قال : حتى يجيئ وقت كلامها ليدفعها عن أنفسهما فيتكلما فيتعلمه الساحر ويحفظه ، فيرجع فيعمل به ما يمسك الرجل عن المرأة ويفرق بين الرجل وامرأته ، فذلك قول الله جل وعز { فيتعلمون منهما} من غير أن يعلمانهما ، { ما يفرقون به بين المرء وزوجه }.
(8) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن عثمان ، عن ثور ، عن مكحول ، عن معاذ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمع اثنان حتى ينادى مناد من السماء : إن الله جل وعز قد زوج فلانة من فلان ، ولا يفترقان حتى ينادي مناد من السماء : إن الله عز وجل قد فرق بين فلان وفلانه " وهذا الحديث عند ابن زرقويه .
صفحة ٧
( 9) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثني عبد الله بن زياد ، وغيره ، أن رجلا مات فيمن طلب السحر فاستحكمه ، فخلف ابنا ومالا كثيرا ، فشخص ابنه في تعليم السحر ، فلم يستحكمه حتى سأل ممن كان أبوه تعلمه ؟ فأرشد إلى شيخ أكثر أهل زمانه مالا ، وأعلمهم بالسحر ، فأتاه فانتسب له ، فقال : أنا ابن فلان قال : أظن أباك ترك مالا قال : أجل ، وأتيتك لأتعلم من عندك قال : لا تطيق أحكامه إلا بلقاء هذين ، يعني هاروت وماروت ، قال : فكيف لي ؟ قال : أنا لك ، فانطلق به حتى انتهى إلى جبلين ، فدخل بينهما ، فقال له : إياك أن تذكر الله ، إذا رأيتهما أو تجيبهما إذا سألاك ، قال : فانحدر به في الأرض سبع مائة وسبعين مرقاة في غار تحت الأرض ، حتى إذا دنا سمع دويا منكرا ، ورأى ضوءا مثل ضوء البرق ، وإذا هما معلقان لهما أجنحة ، أعينهما مثل الأترسة تتوقدان ، وجوههما مثل وجه الأسد ، فلما نظر إليهما لم يتمالك أن قال : لا إله إلا الله ، خوفا مما رأى ، قال : فانتفضا وخفقا بأجنحتهما ، فقالا له : يا فتى إن هذا كلام لم نسمعه من كذا وكذا ألف سنة ، فهو بقول أهل الأرض هذا ؟ قال نعم قالا : فمن جاء به ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوعظاه ، ثم قالا له : انصرف ، هذا أوان فرحنا واقتراب الساعة ، قال : فرجع الفتى تائبا .
صفحة ٨
( 10) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إن الله جل وعز حين عير الملائكة ولد آدم ابتلاهم باللذات والشهوات ساعة من أيام الدنيا ، فقالا : ربنا ردنا إلى ما كنت جبلتنا عليه ، فإنه لا طاقة لنا باحتمال ما ابتليتنا به قال : فردهم الله جل وعز عن ذلك ، فإذا كان يوم القيامة وأسكن الله جل وعز أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أقبلت الملائكة إليهم فسلموا عليهم ، فقالوا : سلام عليكم بما صبرتم يا أهل الجنة في دار الدنيا عن اللذات والشهوات ، ثم كان من بعد إدريس وما أوصى إلى ابنه متوشلخ ، فقام متوشلخ بأمر الله وطاعته حتى أدركه الموت ، فأوصى إلى ابنه لمك ، فقام لمك فيهم بأمر الله جل وعز ، وطاعته ، حتى أدركه الموت فأوصى إلى ابنه نوح ، ما جاء في قصو نوح بن لمك ، عليهم السلام أجمعين .
صفحة ٩
( 11) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا إسحاق أبو حذيفة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، وعبد الله بن عباس ، وجويبر ، عن الضحاك عن ابن عباس ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، بحديث نوح عليه السلام وقصته ، فزاد بعضهم على بعض ، واختلف بعضهم ، فقال بعضهم : كانت نبوته وعمره من يوم ميلاده إلى أن مات ألف سنة إلا خمسين عاما ، وكان بعث في الألف الثاني ، فذلك كان بينه وبين آدم عليه السلام عشرة قرون وعشرة آباء ، فزعم بعضهم أن آدم عليه السلام لم يمت حتى ولد نوح في آخر الألف الأول من أيام الدنيا ، لأن الله صنع الدنيا على سبعة أيام كل يوم مقدار ألف سنة من أيام الدنيا ، وكان قد عاش آدم عليه السلام ألف سنة إلا أربعين سنة ، فمات قبل أن تمضي الألف الأولى ، فولد نوح عليه السلام في الألف الأولى قبل موت آدم عليه السلام ، وبعث في الألف الثاني وهو ابن أربع مائة وثمانين سنة ،فبعث وقد ذهب من الألف الثاني أربع مائة وستة وأربعون سنة ، فلبث في قومه كما قال الله جل وعز ألف سنة إلا خمسين عاما ، فذلك ألف سنة وثلاث مائة سنة وست وتسعون سنة منذ ولد إلى أن أغرق الله الدنيا ، وعاش بعد ذلك تسعين سنة لنهاية ألف وأربع مائة وست وثمانين سنة ، فكان موته في الألف الثالث بعد أربع مائة وست وأربعين سنة ، من الألف الثالث ، فكأن نوح بينه وبين آدم عشرة قرون وعشرة آباء ، فكان نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلابيل بن قينان بن أنوشر بن شيث بن آدم عليهم السلام ، فبعثه الله رسولا وهو أول رسول بعثه الله جل وعز ، { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} وكان قد فشت فيهم المعاصي وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا كبيرا ، وكان نوح عليه السلام يدعوهم ليلا ونهارا سرا وعلانية ، وكان صبورا حليما ، ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقى نوح ، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك وقيذا ، ويضرب في المجالس ، ويطرد ، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ، ويقول : يا رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، فكان لا يزيدهم ذلك إلا فرارا منه ، حتى إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ، ويجعل أصابعه في أذنيه لكي لا يسمع شيئا من كلامه ، فذلك قوله تعالى {وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} لهم وهم وقزف ثم قاموا في المجلس فأسرعوا المشي ، وقال : امضوا فإنه كذاب قال : واشتد عليه البلاء ، وكان ينتظر القرن بعد القرن ، والجيل بعد الجيل ، فلا يأتي قرن إلا وهو أخبث من الأول وأعتى من الأول ، ويقول الرجل منهم : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا قبل آبائنا ، فلم يزل هكذا مجنونا وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده : احذروا هذا المجنون فإنه قد حدثني آبائي أن هلاك الناس على يدي هذا ، فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم ، حتى إن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه ثم يقف به عليه ، فيقول : يا بني إن عشت ومت أنا فاحذر هذا الشيخ ، فإنه مجنون ، ويكون هلاك الناس على يدي هذا ، قال : فلما أن طال ذلك بهم وبه ، قالوا : يا نوح ما نراك جئتنا بشئ يعتقد ، فما كثرة دعائك بالذي يزيدنا منك إلا بعدا وفرارا منك ، وما أنت إلا مجنون أو مسحور ، فلما أن طال ذلك بهم وبه : {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا } فإنا لن نؤمن بك و{إن كنت من الصادقينقال إنما يأتيكم به الله إن شاء } وما حلم ربي عنكم إلا أنكم لستم عنه بمعجزين يعني لا تسقونه إذا أرادكم ، { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} .
صفحة ١١
( 12) حدثنا الحسن ، قال حدثنا إسماعيل ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : وحدثني مقاتل ، عبد الله بن زياد ، جويبر، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، أنه قال : إن نوحا صلى الله عليه وسلم كان يضرب ثم يلف في لبدة فيلقى في بيته يرون أنه قد مات ، ثم يخرج فيدعوهم حتى إذا يئس من إيمان قومه جائه الرجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصى فقال : يا بني انظر إلى هذا الشيخ لا يغرنك قال : يا أبتي أمكني من العصا قال : فأخذ العصا ثم قال : ضعني في الأرض فوضعه فمشى في الأرض فضربه بالعصى فشجه شجة موضحة في رأسه وسالت الدماء ، فقال نوح : ربي قد ترى ما يفعل بي عبادك ، فإن يك لك في عبادك حاجة فاهدهم وإن يك غير ذلك فصبرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين ، فأوحى الله إليه وآيسه من إيمان قومه وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا أرحام النساء مؤمن ، فقال نوح : { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } يعني لا تحزن عليهم ، { واصنع الفلك بأعيننا } قال يا رب وما الفلك ؟ على وجه الماء وأغرق أهل معصيتي وأطهر أرضي منهم ، قال : إني على ما أشاء قدير ، قال يا رب وأين الخشب ؟ قال : أغرس الشجر ، قال فغرس الساج عشرين سنة وكف عن الدعاء وكفوا عن الإستهزاء وكانوا يسخرون منه ، فلما أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها ولففها ، فقال يا رب كيف أتخذ هذا البيت ؟ قال : اجعله على ثلاثة صور رأسه كرأس الديك وجؤجؤه كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب اليك واجعلها مطبقة ، واجعل لها أبوابا في جنبيها ، وشدها بدسر يعني مسامير الحديد ، وبعث الله جل وعلا جبريل فعلمه وجعل يده لا تخطئ ، جبريل عليه السلام ونوح عليه السلام .
صفحة ١٢
( 13) حدثنا إسحاق ، قال : فقال محمد قال : فكانوا يمرون به ويسخرون به ، ويقولون يقولوا سوف يتخذ بيتا يسير به على الماء وأين الماء ؟ يقول عز وجل { كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه } من صنع السفينة ، فقد اشتد غضبي على من عصاني ، فانطلق عليه السلام فاستأجر نجاريين يعملون معه ، وسام ويافس وحام معه ينحتون السفينة ، فجعل السفينة ستمائة ذراع طولها وستين ذراع في الأرض ، وعرضها ثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثون ذراعا ، وطولها في السماء ثلاثة وثلاثون ذراعا ، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه ، ولم يكن في الأرض قار ، ففجر الله عز وجل له عين القار ، حيث ينحت السفينة تغلي غليانا حتى طلاه وأبواب وجعل يعني أبوابها في جنبهاوأطبقها ، والدواب فألقى الله على الأسد الحمى وشغله بنفسه ، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليهم ، وجعل أولاد آدم أربعين رجلا وأربعين امرأه في الباب الأعلى ، وأطبق عليهم ، وجعل الذر معه في الباب الأعلى لضعفها بأن لا تطئها الدواب بيني وبين الماء ، قال : إذا فار التنور وزعم أن الماء فار من التنور بأرض الجزيرة عليه السلام من رأس العين بالجزيرة ، وقال أبو : فار بالكوفة في مسجد الكوفة ، مما وسمعت من حدثني عن جعفر أنه قال فار الماء من التنور من دار نوح من يتوقع ذلك إذ جاءته ابنته فقالت : يا أبة فار الماء من التنور .
(14) إسماعيل ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال حدثنا إسحاق قال : فقال محمد بن ثابت ، قال : استصعب عليه الماعز فدفعها بيده في ذنبها فمن ثم انكسر ذنبها وبدا حياؤها ، ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر حيائها .
صفحة ١٣
( 15) أخبرنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : أخبرنا إسحاق قال : أخبرنا الشرقي بن قطامي قال : كان الضحاك بن أهيوب من ولد قحطان وهو أهيوب بن مالك بن لاوذ بن الغوث بن القزد بن يزيد بن كهلان بن سبأ بن يعرب بن قحطان بن أيمن بن الهميسع بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن أرغوا بن أشروغ بن فالخ بن يقطن وهو قحطان بن عابر وهو هود النبي بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام بن يرد بن مهلابيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو أبو البشر .
(16) فكان من حديث عاد أنهم كانوا قوما يتكلمون بهذا اللسان بالعربية ، قد أعطاهم الله بسطة في الخلق لم يعطها لغيرهم ، فكان الرجل منهم ستين ذراعا ، إلى ستة عشر ذراعا ، وأقصرهم اثنا عشر ذراعا ، وأطولهم ستون ذراعا ، وفيهم أنزلت :{ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم } " يعني إرم أبوهم " { ذات العماد }" يعني ذات القوة " { التي لم يخلق مثلها في البلاد } " وإنما قالوا إرم ذات العماد لأن عاد بن غوص بن إرم بن سام بن نوح فنسبهم إلى .
(17) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : فقال محمد : عمن يخبره ، أن سعيد بن المسيب كان يقول في قول الله جل وعز : " {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد } يعني .
صفحة ١٤
( 18) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال :وأخبرنا مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، وعن محمد بن إسحاق ، عن رجال سماهم ، وعثمان بن الساج ، عن الكلبي ، كل يحدث عن قصة هود ، كيف بعثه الله من بعد نوح ؟ قال : وأخبرني الحسن بن عمارة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، قال : كذب النسابون ، كذب النسابون ، ثم قرأ هذه الآية : " { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } فليس يعلم ذلك أحد إلا الله جل وعز " قال ذلك حذيفة ورفع الحديث إلى قول محمد بن إسحاق ، ومقاتل ، وجويبر ، وسعيد ، عاد وهود ، قالوا جميعا : إن عادا كانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله جل وعز ، ذلك إنما عبدت الأصنام العرب أصنام قوم نوح بعد نوح ، فتفرقوا في عبادتهم الأوثان ، وفرقوا أصنام قوم نوح بينهم ، فكانت هذيل بن مدركة بن خزرق اتخذوا سواع إلها يعبدونه ، وكانت لهم برهاط من أرض ينبع بالحجاز ، وكانت كلب وبرة من قضاعة اتخذوا ودا إلها يعبدونه بدومة الجندل ، وكانت أنعم من طيئ وأهل جرش من مذحج من تلك القبائل من أهل اليمن ، الذين اتخذوا يغوث إلها يعبدونه بارض همدان في اليمن ، وكانت ذو الكلاع اتخذوا لها نسرا إلها يعبدونه من دون الله ، وكان قوم هود وهم عاد أصحاب أصنام يعبدونها من دون الله جل وعز اتخذوا أصناما على مثال ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا ، فاتخذوا صنما يقال لها : صمود ، وصنما يقال له : الهبار ، فبعث الله إليهم هودا ، وكان هود من قبيلة يقال لها : الخلود ، فبعثه الله إليهم ، وكان من أوسطهم نسبا ، وأفضلهم موضعا ، وأشرفهم نفسا ، وأصبحهم وجها ، وكان في مثل أجسامهم ، أبيض جعدا ، بادئ العنقفة ، طويل اللحية ، فدعاهم إلى الله ، وأمرهم أن يوحدوا الله ، ولا يجعلوا مع الله إلها غيره ، وان يكفوا عن ظلم الناس ، لم يأمرهم فيما ذكروا والله أعلم بغير ذلك ، ولم يدعهم على شريعة ولا إلى ضلالة ، فأبوا ذلك وكذبوه ، فقالوا : من أشد منا قوة ؟ فيقول الله عز وجل : { وكانوا بآياتنا يجحدون }وقال لهم هود فيما ذكر الله من خبره وقصته لرسوله : { وإلى عاد أخاهم هودا } الآية كان من قومهم ، ولم يكن أخاهم في الدين فقال { يا قوم اعبدوا الله } يعني وحدوا الله ولا تشركوا به شيئا { ما لكم } ليس لكم {من إله غيره أفلا تتقون} يعني فكيف لا تتقون ، { واذكروا إذ جعلكم خلفاء} يعني سكانا في الأرض ، {من بعد قوم نوح } فكبف لا تعتبروا فتؤمنوا ؟ وقد علمتم ما نزل بقوم نوح من النقمة حين عصوه ، واذكروا ما آتى إليكم {وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله} يعني هذه النعم { لعلكم تفلحون} أي كي تفلحوا ، وكانت منازلهم وجماعتهم حيث بعث نبي الله هود فيهم بالأحقاف ، والأحقاف الرمل فيما بين عمان على حضر موت باليمن كله ، وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الرض كلها ، وقهروا أهلها ، واستخدموا قوتهم التي أتاهم الله ، يقول الله عز وجل { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف } يعني دكادك الرمل حيث منازلهم ، وقال حسان يعني ابن ثابت الأنصاري " وإن أخا الأحقاف إن يعذلونه يجاهد في ذات الإله ويعدل أخبر أن الحقف في لغة العرب الرمل ، وقال ثواب الثعلبي أخبر أن الحقف : الرمل ، أي كل يوم أسهم في رمية عكرات حقف الرمل المتجاور ، فلم يتبعوه ولم يجيبوه ، واتبعه منهم أناس يسير ، يكتمون إيمانهم ، وكان ممن يأمن به ويصدقه رجل من عاد يقال له : مرثد بن سعد بن عفير ، ويقال : غفير وكان يكتم إيمانه ، فلما عتوا على الله وكذبوا نبيهم وأكثروا في الأرض الفساد ، وتجبروا ، ووكانوا يبنون المصانع لكل طريق ، فذلك قوله جل وعز : { أتبنون بكل ريع } يعني بكل طريق { آية تعبثون }يعني عبثا بغير نفع { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون } يعني كأنكم تخلدون ، فكلمهم هود عليه السلام ، وقال : { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } يعني أشداء قتالين { فاتقوا الله وأطيعون } قال : فلم يجيبوه ، وردوا عليه ما دعاهم إليه { قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } ما هذا الذي تأتي به إلا جنون من بعض آلهتنا هذه التي نعبد قال هود عليه السلام : { إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه } إني كفرت بآلهتكم التي تزعمون أنها رمتني بالجنون فلتصيبي بما هو أعظم من ذلك إن كنتم صادقين ، إني فكرت أنتم وهي ، { جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم } فلما فعلوا ذلك
أسال الله عنهم القطر ، وكانوا قوما سيارة في البلاد ، أصحاب العمود ، يتبعون الكلأ والماء أيام الربيع ، فإذا هاج العود انصرفوا إلى دكادك الرمل ، وهي الأحقاف بأرض اليمن ، وهي حضر موت .
19) حدثنا الحسن ، قال : ثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وحدثني ابن جريج المكي ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله : " ألا أدلكم على خير واد في الأرض ؟ " قالوا : بلى قال : " واد بأرض الهند ، يقال له : نوذبة ، هبط آدم من الجنة عليه " ثم قال : " ألا أدلكم على شر واد في الأرض ؟ " قالوا : بلى قال : " واد باليمن يقال له : حضر موت ، حيث دكادك الرمل بها هلكت عاد " .
صفحة ١٨
( 20) أخبرنا الحسن ، قال : أخبرنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وأخبرنا محمد بن إسحاق ، قال : قحطوا ثلاث سنين ، وأمسك الله عنهم القطر في السماء .
(21) حدثنا الحسن ، قال :حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وأخبرنا جويبر ، عن الضحاك ومقاتل ، عن الضحاك ، قال : أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين ، وكانت الرياح عليهم من غير مطر ولا سحاب .
(22) حدثنا الحسن ، قال : قثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وحدثنا مقاتل ، عن إبراهيم التيمي ، وعن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قالا : " إذا أراد الله بقوم سوءا حبس عنهم المطر ، وحبس عنهم قوة الرياح قال : فلبثوا بذلك ثلاث سنين ، لا يستغفرون الله ، فقال لهم هود : استغفروا ربكم ثم توبوا إليه { يرسل السماء عليكم مدرارا } يعني برزق متتابع {ويزدكم قوة إلى قوتكم} يعني في الغنى والعدد ، {ولا تتولوا مجرمين } فأبوا إلا فلما أصابهم الجهد
أنفوا أن يطلبوا إلى هود أن يستسقي لهم ، والملأ وجهدوا ، فطلبوا إلى الله الفرج ، وكانت ظلمتهم عند البيت الحرام ، ومسلموهم ومشركوهم ، فيجمع بها ناس كثير شتى ، مختلفة أديانها ، وكلهم معظم لمكة ، يعرف حرمتها ومكانتها من الله جل وعز .
(23) أخبرنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وأخبرنا ابن إسحاق ، قال : حدثني من لا أتهم ، عن عروة بن الزبير ، أنه كان يقول : بلغني أن البيت كان وضع لآدم يطوف به ويعبد الله عنده ، وإن نوحا قد حجه وعظمه فبات الغرق فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض من الغرق ، فكان البيت ربوة حمراء معروف مكانه ، فبعث الله هودا إلى عاد ، فتشاغل بهم حتى هلك ، ولم يحجه ، وكان الناس إذا نزل بهم شديدة أو نابتهم نائبة انطلقوا إلى موضع البيت بمكة ، فدعوا الله فاستجاب لهم .
صفحة ١٩
( 24) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وأخبرني عثمان ، قال : أخبرني خصيف بن عبد الرحمن ، عن مجاهد ، قال : حج البيت خمسة وسبعون نبيا ، كلهم قد طاف بالبيت ، وصلى في مسجد منى ، فإن استطعت أن لا تفوتك صلاة في مسجد منى فافعل .
(25) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا إسحاق ، وقال : وأخبرني محمد بن إسحاق ، قال : حدثني من لا أتهم ، عن عبد الله بن عباس ، قال : " لقد سلك فج الروحاء سبعون نبيا ، عليهم ثياب الصوف ، مختطمين إبلهم بحبال الليف ، ولقد صلى في مسجد الحيف سبعون نبيا "
(26) ) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق ، وأخبرنا عثمان ، قال : أخبرني خصيف بن عبد الرحمن ، قال : حج موسى عليه السلام على جمل أحمر ، فمر بالروحاء وعليه عباءتان قطوانيتان موقذ بإحداهما مرتد بالآخرى ، فطاف بالبيت ، ثم طاف بين الصفا والمروة ، فبينا هو يلبي بين الصفا والمروة إذ سمع مناد من السماء يقول : لبيك عبدي وأنا معك ، فخر موسى ساجدا
(27) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق ، وأخبرنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني من لا أتهم ، عن سعيد بن المسيب ، أو عن رجل من أهل العلم ، أنه كان يقول : لكأني أنظر إلى موسى بن عمران عليه السلام منهبطا من هرشي عليه عباءة قطوانية ، مهل بحجة حتى انتهى إلى العلم من حقيفة الحجون
(28) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن عثمان بن الأسود ، عن عطاء بن أبي رباح ، أن موسى عليه السلام ، طاف بين الصفا والمروة عليه عباءة قطوانية ، وهو يقول : لبيك اللهم لبيك فأجابه ربه : لبيك يا موسى وهأنا معك .
(29) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : قال عثمان بن الأسود : وحدثني غالب بن عبيد الله ، قال : سمعت مجاهدا يذكر - ، عن عبد الله بن عباس ، قال : " مر بصفائح الروحاء ستون نبيا إبلهم مختطمة بالليف "
صفحة ٢٠
( 30) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق : وأخبرني عثمان يعني ابن الأسود ، عن غالب بن عبيد الله ، قال : سمعت مجاهدا ، يذكر - عن ابن عباس ، قال : " أقبل موسى يلبي تجاوبه جبال الشام ، على جمل أحمر عليه عباءتان قطوانيتان "
(31) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق ، وأخبرنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني طلحة بن كريز الخزاعي ، أن موسى عليه السلام طاف بالبيت ، فلما خرج على الصفا والمروة فلقيه جبريل عليه السلام ، فقال له : يا صفي الله إن السير إذا هبطت الوادي فاحتزم نبي الله على وسطه بثوب ، فلما انحدر عن الصفا بلغ بطن الوادي ، سعى وهو ذا يقول : لبيك اللهم لبيك قال : يقول الله جل وعز : لبيك يا موسى هأنا ذا معك .
32) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : قال إسحاق ، وأخبرنا عثمان بن الأسود ، أنه بلغه أن رسول الله صلى عليه وسلم ، قال : " لقد مر بفج الروحاء سبعون نبيا على نوق حمر ، خطمها الليف ، ولباسهم العباء وتلبيتهم شتى ، سائقهم يونس بن متى عليه السلام ، يقول : لبيك فارج الكرب لبيك " .
(33) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن إسحاق ، قال : أخبرني عثمان بن الساج ، عن يحيى بن عروة بن الزبير ، وغيره ، أنهم كانوا يقولون : ما كان نبي قط إلا حجه إلا هودا وصالحا ، ولقد حجه ، ولكنه لما حجه كان أصاب قوم نوح الغرق ، فأصابه ما أصاب الأرض ، فدرس مكانه ، ثم بعث الله هودا بالعذاب ، وهلك هود قبل أن يعلموا مكانه ، أو يفرض عليهم الحج
(34) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن إسحاق ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : " حج هذا البيت سبعون نبيا عليهم ثياب الصوف ، وشرك نعالهم الخوص مخصف بالليف ، كل يقول : لبيك اللهم لبيك ، إن العيش عيش الآخرة "
صفحة ٢١
( 35) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن إسحاق ، قال : أخبرني أبو حنيفة ، عن عامر ، أن ذا القرنين حج في ستين ألفا ، فلما دخل مكة وانتهى إلى الأبطح رأى إبراهيم خليل الرحمن ، فنزل وترك جنده ، وإبراهيم عليه السلام على حمار أحمر ، فنزل وترك جنده ، فقيل : هذا إبراهيم خليل الرحمن فمشى إليه فسلم عليه وصافحه
(36) حدثنا الحسن ، قال : قثنا إسماعيل ، قال :قال إسحاق ، قال أبو حنيفة : وبلغني أنه قبل يده
(37) حدثنا الحسن ، قال : قثنا إسماعيل ، قال :قال إسحاق : وأخبرني مقاتل ، عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : وأخبرني نصر الحنفي ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن محمد بن جعفر ، وعطاء ، عن جابر ، قال : " إنما بعث قوم هود وفدهم يستسقون بمكة ، وقد كانت تفعله العرب بعد نوح ، إذ رفع البيت وبعد إبراهيم إذ بناه وهم يعظمون البيت ، لا يدخلون مكة إلا محرمين ، ولهم تلبية مختلفة في الجاهلية " * ما جاء في تلبية العرب
(38) كانت تلبية جرهم تقول : لبيك اللهم ، إن جرهم عبادك ، والناس طوف وهم تلادك ، هم الذين بسببك وادك وهم لعمري عمروا بلادك .
(39) وكانت تلبية اليمن وعاد وثمود ومن بعد إبراهيم عليه السلام ، إذا انتهوا إلى جهلهم أغروا غلامين ، فجعلوها على ناقتين ، فتنحيا عن جماعتهم ، فقالا : لبيك نحن عرايا عنك فقالت اليمن : لبيك لبيك إليك عنك عافية عبادك اليمانية ، كيما يحج الثانية على قلائص ناجية
(40) وأما تلبية ربيعة : لبيك إليك ، ما نهك ربنا بجرة إدلاجه ، وبردة وحرة لا يبقي شئ ولا يغره ، أتيناك للمناحة ، لم نأتك للدفاحة
صفحة ٢٢
(41) وأما تلبية قيس : تالله لولا أن يكون دونكا بنو غفار وهم يلونكا ، ما زال حج حجيج يأتوكا 42) وكانت تلبية قريش : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فلما بعث الله رسوله علم المسلمين التلبية ، ولم يكن أحد يشترك في تلبية غير قريش ، فقال النبي : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "
صفحة ٢٣
(43) حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال :قال إسحاق : وحدثني محمد بن إسحاق ، ورفع الحديث إلى حديث وفد عاد حين بعثهم قومهم يستسقون لهم ، وكان أهل مكة يومئذ العماليق ، وإنما سموا العماليق لأن آباهم عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيد العماليق بمكة إذ ذاك فيما يزعمون رجلا يقال له : معاوية بن بكر ، وكان أبوه بكر بن حيا في ذلك الزمان ، ولكنه كان قد كبر ، فكان ابنه معاوية يرأس قومه ، وكان السؤدد والشرف من العماليق فيما يزعمون في ذلك البيت ، وكانت أم معاوية بن بكر كلهدة بنت الخيبري وقال محمد بن إسحاق : كلهدة رجل من عاد ، فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا ، قالوا : جهزوا وفدكم إلى مكة يستسقون لكم فإنكم قد هلكتم ، فبعثوا قيل ابن عتر ولقيم بن هزال بن هذيل بن عتيل وقال بعضهم : ابن عتل بن صد بن عاد الأكبر ، ومرثد بن سعد بن عفير ، وكان مسلما يكتم إيمانه ، وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر أخي أمه ، ثم بعثوا لقمان بن عاد الأصغر بن صد بن عاد الأكبر ، فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم برهط من قومه حتى بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا ، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم فأكرمهم وأنزلهم وكانوا إخوانه وأصهاره وكانت هذيلة بنت بكر أخت معاوية بن بكر لأبيه وأمها كلهدة بنت الخيبري ، تحت لقيم بن هزال بن هذيل بن عتيل بن صد بن عاد الأكبر ، فولدت له عتيك بن لقيم ، وغنم بن لقيم ، وعامر بن لقيم ، وغفير بن لقيم بن هزال ، فكانوا في أخوالهم بمكة عند معاوية بن بكر ، فهم عاد الآخرة التي بقيت من عاد الأولى ، يقول الله عز وجل { وأنه أهلك عادا الأولى } فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان كانت لمعاوية بن بكر وكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا فلما تراءى معوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون لهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه ، وقال : هلك أخوالي وأصهاري ما لعاد خلق أشم مني اجلسوا هؤلاء عندي وقد هلك من وراءهم عطشا ، وهم ضيفي نازلون علي ، فوالله ما أدري كيف أصنع ، أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه ، فيظنوا أنه ضيق بمقامهم عندي ، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه ، فقالتا : قل : شعرا نغنيهم به ، لا يدرون من قاله ، لعل ذلك يحركهم فقال معوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك : ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يصلحنا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا قد أمسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجوا به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهم بخير فقد أمسى نساؤهم عياما وإن الوحش تأتيهم جهارا فلا تخش لراميهم سهاما وأنت ههنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما فلما قال معاوية ذلك الشعر غنتهم به الجرادتان فلما سمع القوم ما غنتا به قال بعضهم لبعض : يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم ، وقد أبطأتم علهم فقال : قيل وهم سيدهم الخمر عليه حرام حتى يذهب فيستسقي قومه ، ثم قالوا : ادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم ، فقال مرثد بن سعد بن عفير : إنكم والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه سقيتم فأظهر إسلامه عند ذلك ، فقال لهم جلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر حين سمع قوله وعرف أنه قد اتبع دين هود وآمن به : يا أبا سعيد إنك من قبيل عاد ، وأمك من ثمود ، وثمود إذ ذاك بالحجر بين الشام والحجاز ، هي بلادهم ، فكيف تأمرنا بقول دين أبينا وأبيك ؟ وقال في ذلك ؟ أتأمرنا لنترك دين رفد وزمل وآل صد مع العتود ونترك دين آباء كرام ذوي رأي ونتبع دين هود ورفد وزمل وصد قبائل عاد هم العتود ثم قال لمعاوية : أحبس عنا مرثد بن سعد ، لا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ، ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد فلما ولوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر حتى أدركهم بها يعني مكة ، قبل أن يدعو بشئ مما خرجوا له ، فلما اجتمعوا ليدعوا ، قال مرثد : اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شئ مما يدعوك به وفد عاد
صفحة غير معروفة