معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين ﷺ كشف شبهات ورد مفتريات
الناشر
دار الخلفاء الراشدين - الإسكندرية،مكتبة الأصولي - دمنهور
مكان النشر
مكتبة دار العلوم - البحيرة (مصر)
تصانيف
ولهذا اتفّق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا في إحداهما: إنهم كانوا بغاة لأنهم كانوا متأوّلين مجتهدين، والمجتهد المخطئ لا يَكْفُر ولا يفسق، وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة: كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفّرة، وشفاعة النبي ﵌، ودعاء المؤمنين وغير ذلك.
والفتن إنما يُعرَف ما فيها من الشر إذا أدبرت. فأما إذا أقبلت فإنها تُزين، ويظن أن فيها خيرًا، فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة والبلاء، صار ذلك مبينًا لهم مضرتها، وواعظًا لهم أن يعودوا في مثلها، كما أنشد بعضهم:
الحَرْبُ أوّلَ مَا تَكونُ فتيّةً ... تَبْدُو بِزِينَتِهَا لِكُلّ جَهُولِ
حتى إذا حَمِيَتْ وَشبّ ضِرَامُها ... عادتْ عجوزًا غيرَ ذاتِ خليلِ
شَمطاءُ جَزّتْ رَأسَها وَتَنَكّرَتْ ... مكروهة ً للشَّمِّ والتقبيلِ
والذين دخلوا في الفتنة من الطائفتين لم يعرفوا ما في القتال من الشر، ولا عرفوا مرارة الفتنة حتى وقعت، وصارت عبرة لهم ولغيرهم.
وقول النبي ﵌ في الحديث المتفق على صحته: «تَكُونُ فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ» يدل على أن عليًّا ﵁ وأصحابه أدنى إلى الحق من معاوية ﵁ وأصحابه.
وكذلك حديث عمار بن ياسر: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» قد رواه البخاري في صحيحه ورواه مسلم بلفظ: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ».
والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله. والحديث أطلِق فيه لفظ «البغي» لم يقيده بمفعول، ولفظ البغي إذا أطلق فهو الظلم، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ (الحجرات:٩)، وقال ﷿: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة:١٧٣).
1 / 176