وقبل أن يخرج كرادوك التفت إلى باغوص بك الخادم الأمين للباشا وقال: «إنه يعتقد شخصيا أن مصر إذا أعلنت استقلالها واستطاعت الاحتفاظ به فلسوف تعترف بها إنجلترا.»
39
وانتهت المحادثات دون أن يتقيد أحد الفريقين بأمر معين، وألمح ممثل السلطان إلى إبقاء جنوده في المورة بلا عمل. وإذ ذاك رد المندوبان الإنجليزيان بأنه يستطيع في هذه الحالة أن يعتمد على حسن نية الحكومة البريطانية على أن ما يؤسف له حقا أن كرادوك لم يتمكن من الوصول إلى الإسكندرية في الوقت المناسب ليحمل الباشا على تأجيل إرسال أسطوله إلى المورة.
ولذا كان موقف الباشا يبعث على الحيرة؛ فإن السلطان كان يأمره من ناحية بأن يبادر في الحال إلى سحق الأروام، بينما كانت فرنسا وإنجلترا تطالبه بالانسحاب فورا من المورة.
فإزاء هذا الموقف المحير لم يكن للباشا مفر من أن يغضب أحد الفريقين غضبا تاما، ولقد كان مقتنعا في قرارة نفسه بعبث الاسترسال في مقاومة رغبات الحلفاء، ولكنه في الوقت نفسه كان مرتبطا ببلاط يأبى عليه جهله الشديد وصلفه أن يسلم بأنه قد فات الوقت الذي كان غضب السلطان يكفي وحده إلى حبس سفراء الدول الغربية في قصر الأبراج السبعة، أو أن يستطيع الأتراك أن يصمدوا للقوات المسيحية المتحدة على قدم المساواة.
لقد بذل في يوم 5 أكتوبر مجهودا جديا ليفتح عيني الديوان إلى خطورة الموقف؛ فكلف معتمده أن يبلغ البلاط أن مطالب الحلفاء قد تكون مجرد بلف، ولكن ليس معنى ذلك أنها لا يمكن تنفيذها، وأن العقلاء من شأنهم الاستعداد لتقلبات الحظ بدلا من تعليل أنفسهم بالسعادة والهناء، وأن عمارات الحلفاء إن التجأت إلى استعمال القوة فإن العمارة التركية في رأيه الضعيف تتمزق شذر مذر ويهلك معها 30000-40000 نفس.
ثم استطرد، فقال: «من الخطر المحض أن يقصر همه في شئون الحرب على التوكل على الله، بل ينبغي في الوقت نفسه أن يغفل عن كل ما ينبغي عليه فعله. نعم؛ إن النصر من عند الله، وإنه هو وحده صاحب الحول والطول، ولكنه أمرنا في قرآنه الكريم بالسعي، ثم وعدنا بالمساعدة لنيل النصر.»
40
والخلاصة أن الإيمان وحده لا يمكن أن يعوض عن البارود المبلل أو عن السفن الرديئة.
وقد جاءت الحوادث لسوء الحظ محققة لما كان يتوقعه؛ فإن أميرالي الحلفاء وهما كودوربنجتون ورمني - لأن العمارة الروسية لم تتدخل إلى حلبة النزاع قبل يوم 13 أكتوبر، بدآ لفورهما باستعمال الضغط على فريقي المتحاربين، وقد بادر الأروام طبعا إلى إعلان موافقتهم على عقد الهدنة، ولكن نظرا لأن السلطان رفض الهدنة فقد اعتبر هؤلاء أنفسهم في حل من أي ارتباط؛ لذا أعدوا حملة لتوجيهها إلى ألبانيا حيث دمروا عمارة بحرية تركية صغيرة في جالاكسيدي. وبعدئذ اجتمع الأميرالان بإبراهيم شخصيا فوافق على وقف الأعمال الحربية مدة شهر إلى أن تصله تعليمات؛ إما من الباب العالي أو من أبيه، ولكنه عندما سمع بأن الأروام يواصلون أعمالهم الحربية اتخذ الاحتياطات اللازمة لإرسال المئونة إلى باتراس، وأن يطهر البلاد التي يحتلها جنوده ممن يحتمل أن ينقلبوا إلى أعداء، وحاول الأميرالان مراعاة العدل بين الفريقين، فإذا كان كودرنجتون مثلا قد أرغم الأسطول التركي من جهة على الالتجاء إلى نافارين بدون إرسال الإمدادات إلى باتراس؛ فإنه من الجهة الأخرى حظر على الأروام أن يسيروا حملتهم التي انتووا إرسالها إلى ألبانيا، ولكن كودرنجتون كان يميل هو وزملاؤه إلى منع استمرار أعمال التخريب في المورة. ولما لم تكن لديهم إلا قوة بحرية فقد حسبوا أن يدركوا غايتهم المذكورة بالقيام بمظاهرة مزدوجة ضد الأسطولين التركي والمصري.
صفحة غير معروفة