29
ثم إنه أرسل في يوم 7 يناير سنة 1827م خطابين؛ أولهما إلى الصدر الأعظم، وثانيهما إلى معتمده في الآستانة،
30
وقد ذكر في أولهما أنه لم يدخر أموالا ولا رجالا في سبيل خدمة السلطان وأن موارده قد نفدت الآن، هذا فضلا عن ظهره فقد أصبح منحنيا تحت ثقل سنه المتقدمة، وإنه لهذه الأسباب يرجو أن يعفى من إجابة مطالب جديدة؛ لكي يقضي ما بقي له من عمر في سلام داعيا لمولاه بدوام الصحة والسعادة. على أن أهمية هذا التوسل المتواضع قد بينها ما ورد في الخطاب الثاني؛ إذ قال: «إن اشتراك خسرو باشا في شئون الحرب كان من شأنه أن يؤدي إلى الإهمال والتكاسل، فإذا ما ظل في منصبه فلسوف أكف عن التعاون معه وأطلب إقالتي من هذه الخدمة.»
31
وقد حدث أنه على أثر وصول هذين الخطابين إلى الآستانة أن تقدم ستراتفورد كاننج بسلسلة اقتراحات غير مقبولة لدى الباب العالي في صدد اليونانيين؛ فلم يكن من سبيل إلى التسويف في هذه الظروف حتى في الديوان التركي نفسه. وفي الحال صدر الأمر إلى أحد كبار الأغوات بالذهاب إلى مصر في مهمة سرية، وقد حاول أن يعبر البحر في بارجة إنجليزية خوفا من وقوعه في أيدي اليونانيين، ولكن ستراتفورد كاننج رفض لاقتناعه بأن المهمة لن تكون مرضية لنائب السلطان
32
ولكن لم تكن هناك حاجة لأن يقلق كاننج كل هذا القلق؛ لأن الأغا كان يحمل معه نبأ بإبعاد خسرو عن منصب القبطان باشا، وهذا عدا الفرمانات اللازمة بجعل محمد علي المسئول وحده عن إدارة دفة الحرب.
ولكن هذه الأنباء لم يكن من شأنها أن تتغلب على حكمة محمد علي أو تدفعه إلى سحب قدمه من أحد الركابين، بل شرع على مهل في إجراء استعدادات لاستئناف الحملة. وحتى في منتصف شهر يونيو التالي كانت سفنه ما تزال موجودة في مراسيها في الإسكندرية، كما أن إمداداته لإبراهيم لم تكن قد تمت بعد، ولكنه شرع في الإلحاح على قنصلنا العام بإرسال جواب على اقتراحاته المتقدمة؛ لأنه لا يستطيع تأخير الأسطول إلى أجل غير مسمى. يضاف إلى ذلك أن الديوان في الآستانة قد لاحظ أن التغيير في القيادة لم يغير شيئا من بطء سير القتال كما أن خسرو الماكر كان قد نال الحظوة التي كانت لمحمد علي، وأنعم عليه بالعطف والسيف، إشارة لجعله صاري عسكر وقائدا عاما لقوات السلطان. وفي 11 يونيو، أكد محمد علي لصولت رغبته في النزول على إرادة الحكومتين البريطانية والفرنسية، ثم قال: إذا كان في نية هاتين الدولتين فعلا أن تتدخلا فيحسن أن يظهر الأسطول الإنجليزي والفرنسي أمام الإسكندرية لعمل مظاهره لإرغام سموه على الامتناع عن الحرب، فإذا ما أظهر أن الامتناع لفائدته فإنه في هذه الحالة يبادر بسحب جنوده وولده من الموت. وقد أكد لي سموه أنه إنما يطلب طلبا مسوغا معقولا لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة،
33
صفحة غير معروفة