أما مناجم الذهب التي كانت مطمح أنظار محمد علي فلم يعثر عليها الجيش المصري، ثم إن عدد من وصل إلى أسوان من السودانيين القادرين على حمل السلاح لم يتجاوز الخمسمائة في شهر مارس سنة 1822م
34
بدلا من الجيش العظيم الذي كان يحلم به محمد علي، ثم إن إسماعيل نفسه لم يظهر كفاءة في إدارة السودان، وهذا ما حدا بمحمد علي أن ينصح ابنه مرارا عديدة باستعمال وسائل اللطف واللين، وأن يحكم بين الرعية بالعدل والعمل على مصالحة الناس.
35
ولكنه كان على الرغم من هذه النصائح يلح في مطالبة ابنه بإرسال فصائل جديدة من الرقيق، وهو ما لم يكن يمكن تحقيقه إلا بمواصلة الغارات على الأهالي الذين كانوا قد تملكهم الرعب والهلع.
وبديهي أن من المستحيل استمالة شعب ومحاولة استعباده في الوقت نفسه، وكان إسماعيل على ما يظهر يرى أن الأمر الثاني هو أولى بالعناية، ففي أواخر سنة 1822م ركب إسماعيل نهر النيل ورسا في مقابل شندي، وطلب إلى الزعيم السوداني هناك أن يقدم له خلال ثلاثة أيام 15000 ريال و6000 رقيق. فأخبره الزعيم أن ذلك خارج عن مقدرته، فلطمه إسماعيل بالكرباج على وجهه صائحا: «أتهينني أيها العبد؟!» وهنا تدخل زعيم آخر ووعد بتنفيذ الأمر وانسحب الزعيمان، وقد كانت الغاية من الانسحاب ليست النزول على أوامر إسماعيل، بل لجمع أنصارهما وأتباعهما. ولما اجتمعوا أحاطوا بقوات إسماعيل وسدوا الطريق في وجهها لهجوم فجائي قاموا به في الليل على غير انتظار، أما إسماعيل ومن معه من الجند في الضفة الأخرى فقد استيقظوا ووجدوا أن الدار التي كانوا فيها قد شبت فيها النار، ثم انقض عليهم الأعداء فمزقوهم إربا إربا.
36
ولكن الزعيم السوداني المسكين كان قد نسي شأن الدفتردار بك في كردفان، فما كاد يسمع بمصرع إسماعيل حتى عاد إلى سنار على جناح السرعة، وهناك انتقم من الأهالي أشد انتقام، ويقال إنه أطاح رءوس ما لا يقل عن 30000 شخص، وحدثت على أثر ذلك اضطرابات وقلاقل، وقام شخص يدعى المهدي، وانضم إليه أنصار كثيرون. وقد نما إلى القناصل الأوروبيين أن ذلك المهدي وقع في الأسر وأطيحت رأسه، ولكن تبين بعد شهر أنه لا يزال على قيد الحياة، ومن ثم أرسلت الإمدادات من أسوان لقمع حركته،
37
وهكذا قمعت القلاقل، ولم يحل عام 1826م حتى كانت السكينة مخيمة على ربوع السودان، وأصبح محمد علي قادرا على أن يتخذ ما يلزم من الإجراءات لإصلاح شأن ذلك الإقليم وتنمية موارده؛ فقرر إرسال ثمانية من كبار أعيان الوجه البحري بصحبة 110 أشخاص لتعليم السودانيين طريقة الزراعة في مصر.
صفحة غير معروفة