ولكن الإنجليز كانوا في الوقت نفسه عملاء متهافتين على القمح المصري؛ إذ ليس يخفى أن تموين أساطيلهم التي تمخر عباب البحر المتوسط من مالطة إلى جبل طارق لمراقبة ما يجري فيه وتموين قواتهم الآخذة في الازدياد، وهي القوات التي كانت تقوم بالأعمال الحربية في إسبانيا، جعل الإنجليز يتهافتون على شراء مقادير كبيرة من القمح. ولقد كانت سنوات الحرب المذكورة سنوات شح في محصول القمح في العالم عدا في مصر، فقد كان الأمر بالعكس؛ لأن ارتفاع مستوى النيل أدى إلى وفرة المحصول،
50
ولقد انتهز الباشا هذه الفرصة التي ساقتها العناية الإلهية إليه، وسرعان ما أصبح تصدير القمح بمثابة امتياز، ويقال إنه أفاء عليه ربحا بلغ 500 في كل مائة.
ولقد بذل دروفيشي - القنصل الفرنسي في القاهرة - منتهى ما في وسعه للحيلولة دون ازدياد هذه الصلات وتوثيقها، ولم يخرج ما حصل عليه من الترضية في هذا الصدد عن مجرد التوكيد بأن الباشا إنما يعمل لمصلحته الشخصية فحسب، وعن إشارة من طرف خفي بأن الإنجليز يحتمل أن يستخدم ضدهم ما قدموه للباشا من أموال وذخائر،
51
ولم تقتصر حركة التجارة على بيع الحبوب ومشتراها. هذا في حين أن ثمنها دفع بعضه كسبائك ذهبية، والبعض الآخر بشكل ذخائر، والبعض بشكل سلع إنجليزية. فمثلا رأينا الساعات الإنجليزية راجت سوقها رواجا لا يوازيه رواج الساعات الواردة من جنيف (التي كان يقال كذبا إنها مصنوعة في بريطانيا)، وهي الساعات التي اعتاد أن يبيعها الفرنسيون في مصر، ثم إن البفتة كانت تستورد من الخارج وتستعمل بدلا من البفتة المصنوعة محليا.
52
ولعل أبغض شيء من وجهة النظر الفرنسية أن هذه العلاقات التجارية قد نشأت عنها صداقة سياسية؛ فإن دسائس دورفيشي ونصائحه في خلال الحملة الإنجليزية في سنة 1807م قد كللت بالنجاح في مبدأ الأمر. مثال ذلك أنه طلب - وقد أجيب إلى طلبه - بأن يعين حارس قضائي على البضائع الإنجليزية الواردة تحت الراية «الفرنسية»،
53
وأعلن حربا شعواء موفقة على أحد الرهبان لاجترائه على نشر نبأ معروف في الإسكندرية بطرد نابليون من الكنيسة،
صفحة غير معروفة