وليس من شك في أن الخزانة العمومية قد تضخمت وأصبحت عامرة بما دخلها من صنوف الإيراد، وكان جمع الضرائب بانتظام وتحت المراقبة الدقيقة، وقد فرضت على الأقل ضريبة واحدة جديدة هي ضريبة الفردية، وكانت عبارة عن ضريبة شخصية (وتشبه ضريبة الإيراد في إنجلترا)، وقد أريد بها بادئ ذي بدء تحصيل إيراد وافر في خلال الحرب.
ولكن محمد علي جعلها بمثابة مورد دائم، وكانت في بدء الأمر بنسبة 50 قرشا عن كل شخص، ولكن ما لبثت أن خفضت هذه النسبة وجعلت تتراوح بين 30 و50 بحسب ثروة الفرد المعين. وعلى هذا الأساس كان يفرض مبلغ معين على كل أسرة مع ترك الحرية لأعضائها لتوزيع المبلغ المطلوب بين أفرادها، كل على حسب مقدرته، ويقال إنه كان من شأن هذا الترتيب أن الفقراء كانوا يعافون من الدفع في حين أن الأغنياء كانوا يؤدون ما يزيد عن الغاية القصوى لقيمة الضريبة.
25
أما الضريبة المفروضة على الكتابين، وكانت تسمى الخراج خطأ في سوريا وكريت، فقد كان تحصيلها يجري بمقتضى فرمانات خاصة يصدرها الباب العالي وترسل بعد جمعها إلى الآستانة يستعملها الخليفة في شئونه الخاصة، وكان معدل الضريبة المذكورة 15-30 قرشا حسب ثروة الشخص المفروض عليه الضريبة، بيد أن الموظفين المكلفين بجمع هذه الضريبة كانوا يتخذونها دائما لحمل هؤلاء الكتابيين على دفع حصة إضافية لهم لاستعمالها في شئونهم العائلية، ولكن وضعت إجراءات خاصة في سنة 1835م لوقف هذه الإعانات الشاذة المخالفة للقانون.
26
وكانت الأموال الأميرية أو ضريبة الأراضي هي المورد المالي الأساسي في سوريا، كما في البلاد الأخرى، ولكنها لم يراع في تطبيقها قاعدة معينة، كما أن تحديدها لم يكن بناء على مساحة الأراضي مساحة حقيقية، بل كانت الوحدة الاسمية المستخدمة في مسح الأراضي هي أقصى ما يستطيع «ثوران» حرثه من الأراضي في خلال يوم واحد، وهو نظام كان كفيلا بأن يفتح الباب على مصراعيه أمام التهرب والتحايل، ولم تبذل أي محاولة لوضع ضريبة على العقارات العينية، ولكن كان يطلب إلى مدير الإقليم أن يجد أموالا قيمتها المبلغ المطلوب، فيختصر الطريق بأن يفرض المبلغ المذكور على القرى الواقعة في مديريته؛ فيعمل الأشخاص على تقاسم المبلغ فيما بينهم.
وبالجملة، فإن أساس الإدارة الصحيحة - وهو مسح الأراضي بطريقة منظمة - كان معدوما بالمرة، على أنه كان ينتظر أن حكم محمد علي لو استمر لكان الأمل عظيما في أن ينتقل الإصلاح من مصر إلى سوريا.
27
ولا يلوح أنه كان في إدارة إيرادات الأطيان ما يثير الشكوى ويدعو إلى التذمر أو إيجاد الضغائن والأحقاد، ولكن المقتضيات العسكرية التي كثيرا ما أشار إليها القناصل في تقاريرهم كانت بطبيعة الحال موضع استياء الأهلين؛ فقد كانت السلطات العسكرية تستولي على الحبوب والأرزاق بأثمان هي دون أثمان السوق لتزويد الكتائب الزاحفة. هذا بينما الأشجار الباسقة كانت تقتلع لاستعمالها في الوقود وتؤخذ الدواب من أصحابها لاستخدامها في النقل إلى مسافات بعيدة. نعم؛ كانت السلطات العسكرية تدفع إلى أصحابها أجورا، ولكن هذه الأجور قلما كانت كافية للقيام بأود الفلاح لتعويضه عما تجشم من المتاعب في سبيل تتبع ماشيته والعودة بها إلى داره بعد أن تفرغ حاجة السلطة العسكرية، ويضاف إلى ما سبق تسخير العمال في بناء القلاع التي كان ينشئها إبراهيم باشا؛ فقد كانت أجور العمال دون نصف ما كان يحصل عليه في الأعمال العادية، هذا عدا أن السلطات كان في وسعها احتجازه للعمل إلى أجل غير مسمى.
28
صفحة غير معروفة