10
وبالطبع كان مركزه بمصر في منتهى الحرج؛ ذلك لأن الأتراك كانوا أبغض في أعين الشعب من الفرنسيين لأن جهلهم باللغة العربية - وهي لغة المصريين المقدسة - مضافا إليه لحنهم عند التكلم بها وصلفهم ودعواهم بأن لهم الحق في حكم البلاد؛ كل هذه الصفات ساعدت على استلاب كل معونة محلية منهم. وكثيرا ما دعا عليهم مؤرخ ذلك العهد «الجبرتي» بأن يمحقهم الله جميعا.
وكان على رأس الفصيلة الألبانية طاهر باشا الذي كان ما أصابه في بلاده من النجاح وما اشتهر به من الوحشية في قيادة إحدى عصابات قطاع الطريق سببا في مكافأته بالالتحاق بجيش السلطان. ولقد أبدى طاهر في مصر الشيء الكثير من الشجاعة وسعة الحيلة، ولكنه لم يكافأ المكافأة التي وعد بها.
11
ثم إن أنصاره كانوا في شدة التذمر بسبب عدم دفع مرتباتهم، وكانت النتيجة أنهم أثاروا فتنة في القاهرة في شهر مايو سنة 1803م، وهي حادث مألوف كان يقع يوميا في الجيش العثماني. ولما عرض طاهر باشا وساطته على خسرو رفضها هذا؛ فلم يكن من طاهر إلا أن ذهب في اليوم التالي على رأس الفصيلة الألبانية فهاجم القلعة واحتلها، وإذ ذاك فر خسرو إلى دمياط ، وارتقى طاهر منصة الحكم. ولما لم تكن الجنود العثمانية قد شدت أزر طاهر في هذه الحركة؛ فإنه أهاب بالمماليك أن يتقدموا لتأييده، ولم يترتب على مصرعه أي تغيير في الموقف المباشر؛ لأن محمد علي سرعان ما حل محله. وإذ ذاك اشترك الألبانيون والمماليك في إنزال الهزيمة بمينو بالقرب من دمياط، وقادوه أسيرا إلى القلعة في القاهرة، وكان هذا أول ائتلاف بين الألبانيين والمماليك ضد الأتراك.
وما كادت هذه الأنباء تصل إلى الآستانة حتى صدر الأمر إلى حاكم آخر يدعى علي باشا بالذهاب فورا على رأس قوة من 1500 جندي ليحل محل الحاكم المخلوع خسرو فوصل إلى الإسكندرية واحتلها. ولكن سرعان ما أوقع نفسه في نزاع مع قناصل الدول الأوروبية المقيمين في تلك المدينة؛ فلقد أعلن أن الامتيازات لا حرمة لها ما دام هو الحاكم بأمره. ولم يكن مطاعا بين جنوده، وقد كانوا يتسلون بإطلاق النار على الشعار المعلق فوق القنصلية السويدية، ثم إنه حاول أن يتدخل في حكم أصدرته المحكمة المحلية في صالح الفرنسيين لسبب مجهول. وفي أوائل سنة 1804م بدأ يزحف جنوبا في اتجاه القاهرة متوقعا أن يهب الألبانيون تحت قيادة محمد علي إلى مناصرته، ولكن الألبانيين لم يحركوا ساكنا، وأخيرا وقع الباشا في أسر البرديسي فأمر بإعدامه.
12
وإذ ذاك عين باشا ثالث - وهو خورشيد - مكانه، وكانت العلاقات بين الألبانيين والمماليك قد أخذت تفتر؛ لأن الأولين كانوا شديدي التمسك بتسلم مرتباتهم كاملة، بينما لم يكن أمام المماليك إلا أن يلجئوا إلى القروض الإجبارية وغير ذلك من الوسائل العنيفة.
ولشد ما كان حزنهم أنهم رأوا أنفسهم مضطرين أن ينهبوا الأهالي لمصلحة الغير، ثم إنهم أظهروا ميلا لمساعدة خورشيد بصفته «باشا» مصر؛ وذلك نظرا لدماثة خلقه واعتدال آرائه. ومن ثم أصبح المجال واسعا خاليا لعقد ائتلاف جديد، وقد تم فعلا، كما كان مقدرا بالضبط؛ فلقد عاد ألفي بك من إنجلترا في فبراير سنة 1804م، وسرعان ما هب حزب البرديسي يساعده الألبانيون بتشجيع من محمد علي - على الأرجح - لمهاجمة حزب الألفي ونهب منازلهم في القاهرة . ولشد ما كان اغتباط محمد علي بهذا الانقسام بين صفوف البيكوات،
13
صفحة غير معروفة