مؤلفات محمد بن عبد الوهاب في العقيدة
محقق
عبد العزيز زيد الرومي , د. محمد بلتاجي , د. سيد حجاب
الناشر
جامعة الإمام محمد بن سعود
مكان النشر
الرياض
فقد وصل إلينا من ناحيتكم مكاتبي فيها إنكار وتغليظ علي ولما قيل إنك كتبت معهم وقع في الخاطر بعض الشيء لأن الله سبحانه نشر لك من الذكر الجميل وأنزل في قلوب عباده لك من المحبة ما لم يؤته كثيرا من الناس لما يذكر عنك من مخالفة من قبلك من حكام السوء وأيضا لما أعلم منك من محبة الله ورسوله وحسن الفهم واتباع الحق ولو خالفك فيه كبار أئمتكم لأني اجتمعت بك من نحو عشرين وتذاكرت أنا وياك في شيء من التفسير والحديث وأخرجت لي كراريس من البخاري في أول الصحيح هذاهو الحق الذي أدين الله به فأعجبني هذا الكلام لأنه خلاف مذهب أئمتكم المتكلمين وذاكرتني أيضا في بعض المسائل فكنت أحكي لمن يتعلم مني ما من الله به عليك من حسن الفهم ومحبة الله والدار الآخرة فلأجل هذا لم أظن فيك المسارعة في هذا الأمر لأن الذين قاموا فيه مخطئون على كل تقدير لأن الحق إن كان مع خصمهم فواضح وإن كان معهم فينبغي للداعي إلى الله أن يدعو بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقد أمر الله رسوله موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وينبغي للقاضي أعزه الله بطاعته لما ابتلاه الله بهذا المنصب أن يتأدب بالاداب التي ذكرها الله في كتابه الذي أنزل ليبين للناس ما اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يوقنون فمن ذلك لا يستخفنه الدين لا يوقنون ويتثبت عند سعايات الفساق والمنافقين ولا يعجل وقد وصف الله المنافقين في كتابه بأوصافهم وذكر شعب النفاق لتجتنب ويجتنب أهلها أيضا فوصفهم بالفصاحة والبيان وحسن اللسان بل وحسن الصورة في قوله
﴿وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم﴾
الاية ووصفهم بالمنكر والكذب والاستهزاء بالمؤمنين في أول البقرة ووصفهم بكلام ذي الوجهين ووصفهم بالدخول في المخاصمات بين الناس بما لا يجب الله ورسوله في قوله
﴿يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر﴾
الاية ووصفهم باستقحار المؤمنين والرضا بأفعالهم ووصفهم بغير هاذ في البقرة وبراءة وسورة القتال وغير ذلك كل ذلك نصيحة لعباده ليجتنبوا الأوصاف ومن تلبس بها ونهى الله نبيه عن طاعتهم في غير موضع فكيف يجوز من مثلك أن يقبل مثل هؤلاء وأعظم من ذلك أن تعتقد أنهم من أهل العلم وتزورهم في بيوتهم وتعظمهم وأنا لا أقول هذا في واحد بعينه ولكن نصيحة وتعريف بما في كتاب الله من سياسة الدين والدنيا لأن أكثر الناس قد نبذه وراء ظهره وأما ما ذكر لكم عني فإني لم آته بجهالة بل أقول ولله الحمد والمنة وبه القوة إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيمحنيفا مسلما وما كان من المشركين ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثيروغيرهم بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أوب أمته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلها على الرأس والعين ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق وصفة الأمر غير خاف عليكم ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وأتباعهم والأئمة كالشافعي وأحمد وأمثالهما ممن أجمع أهل الحق على هدايتهم وكذلك ما درج عليه من سبقت له من الله الحسنى من أتباعهم وغير خاف عليكم ما أجدث الناس في دينهم من الحوادث وما خالفوا فيه طريق سلفهم ووجدت المتأخرين أكثرهم قد غير وبدل وسادتهم وأئمتهم وأعلمهم وأعبدهم وأزهدهم مثل ابن القيم والحافظ الذهبي والحافظ العماد ابن كثير والحافظ ابن رجب قد اشتد تكبرهم على أهل عصرهم الذين هم خير من ابن حجر وصاحب الإقناع بالإحماع فإذا استدل عليهم أهل زمانهم بكثرتهم وإطباق الناس علي طريقهم قالوا هذا من أكبر الأدلة على أنه باطل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته تسلك مسالك اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وقد ذكر الله في كتابه أنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا وأنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله وأنهم تركوا كتاب الله والعمل به وأقبلوا علي ما أحدثه أسلافهم من الكتب وأخبر أنه وصاهم بالإجتماع وأنهم لم يختلفوا لخفاءالدين بل اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
﴿فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون﴾
والزبر الكتب فإذا فهم المؤمن قول الصادق المصدوق لتتبعن سنن من كان قبلكم وجعله قبلة قلبه تبين له أن هذه الايات وأشباهها ليست على ما ظن الجاهلون أنها كانت في قوم كانوا فبانوا بل يفهم ما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال في هذه الآيات مضى القوم وما يعني به غيركم وقد فرض الله على عباده في كل صلاة أن يسألوه الهداية إلى صراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم الذين هم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فمن عرف دين الإسلام وما وقع الناس فيه من التغيير له عرف مقدار هذا الدعاء وحكمة الله فيه
صفحة ٢٥٣