النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية
الناشر
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
جدة - المملكة العربية السعودية
تصانيف
وإذا كان علماء الفيزياء قد اكتشفوا عالم المادة الصغير، فإن علماء الكيمياء والأحياء قد اكتشفوا عالم الأحياء الصغيرة، بدأت مع الكيميائي الفرنسي "لويس باستير" الذي اكتشف بأن كائنات مجهرية معينة يمكن أن تسبب المرض للبشر والحيوانات الأخرى (١)، وقد فتح ذلك الباب واسعًا لاكتشاف مخلوقات جديدة لم يكن البشر على معرفة بها مئات السنين، فمَنْ كان يتوقع مثلًا بأن كأسًا من الماء يسبح فيه عالم من المخلوقات؟ ومن كان يتوقع مثلًا بأن في النطفة المنوية آلاف الحيوانات لها حياتها العجيبة؟ ومثله الكائنات البكتيرية والمجهرية التي أصبحت ميدان بحوث واسعة في القرن الرابع عشر/ العشرين.
وقد واصل أيضًا في أول هذا القرن مجموعةٌ من الناس استثمار نظريات نيوتن، وأبرزها ما قام به "لابلاس" من وضعه لنظامه الشهير "نظام الكون" حيث شرح فيه عمليات تطوّر الكون ونشأته من دوامة غازية سماها سديما، وإذا كان نظام نيوتن الكوني قد بناه على الإقرار بحفظ الله له؛ فإن "لابلاس" ألغى هذا، وحين سأله "نابليون" عن مكان الله ﷾ في نظامه أجاب: "مولاي ليست بي حاجة إلى تلك الفرضية" (٢)، ونابليون هذا هو صاحب أول حملة استعمارية صليبية حديثة على العالم الإِسلامي، وقد أحضر معه مئتي عالم في أثناء احتلاله لبلاد مصر سنة (١٧٩٨ م)، وخرج من مصر مطلع القرن الثالث عشر/ التاسع عشر بعد أربع سنوات، وعادة ما يُقال في كتابات كثيرة بأن هذه أول مرّة يطّلع فيها المسلمون على العلوم الحديثة بعد التطور الكبير الذي لحق بها، وسيتوجه المسلمون في منتصف القرن الثالث عشر/ التاسع عشر إلى فرنسا لدراسة هذه العلوم زمن ولاية محمَّد علي باشا، وستكون هذه موضوع الفصل الثالث والرابع.
المهم هنا بأن الفيزياء والفلك بعد "لابلاس" فتحت أبوابًا جديدة تبحث فيها عن نشأة الكون وحالته الآن ومستقبله، وستكون نظريات كثيرة تتطاحن فيما بعد ولها أثرها في مسيرة الفكر والعلاقة بالدين، وقد كان الأمر كذلك في مجال الكيمياء حيث كان لاكتشافات "شيلي، وبريستلي، ولافوازييه" وغيرهم أثرها في الفلسفة وميادين الفكر الأخرى لا يقل عن تأثير مذهب نيوتن، وهذا "فريدريك
(١) انظر: المرجع السابق ١٦/ ٣٦٨.
(٢) انظر: رونالد السابق ص ٢٨٧، والموسوعة. . . . ١٧/ ٤٨٣.
1 / 203