195

النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية

الناشر

مركز التأصيل للدراسات والبحوث

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م

مكان النشر

جدة - المملكة العربية السعودية

تصانيف

جواب أتباعه بأن العلم عاجز عن إعطائنا القيم العليا والمثل والأهداف، رغم محاولاتهم جعل العلم والوضعية دينًا يحقق مثل هذه الأمور.
ورغم أن المذهب الوضعي كان "الموضة" الفرنسية إلى نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، إلا أنه قد ظهرت موجة من تيارات الفكر ضد الوضعية اكتسبت شعبية كبيرة، مالت بالحركة الفكرية نحو التصوف والحدس وإشباع جوانب أغفلتها الوضعية، لاسيّما مع الفيلسوف الفرنسي المشهور برجسون (١). وهكذا نجد الوضع الفكري والروحي في الغرب عادة ما يتذبذب بين النقيضين كعادته وعادة كل فكر منحرف، فما أن يغرق في المادية أو الوضعية ويهلك في صحرائها عطشًا حتى يجد من يسحبه إلى فلسفات مثالية أو صوفية أو دينية لتخفيف ذلك الألم، ثم يعودون لما كانوا عليه، وهكذا في دوامة مستمرة.
وخلاصة ما سبق أننا نجد ثلاثة تيارات عرفها القرن الثالث عشر/ التاسع عشر: اليسار الهيجلي، وأصحاب الدراسات الجديدة حول الدين، والفلسفة الوضعية، كان لها شهرتها وأثرها، وأصحابها وإن لم يكونوا جميعًا من دائرة العلم فإنهم يريدون بنشاطهم الدعوة لعصر علمي وضعي مادي دون دين.
[٢] النشاط العلمي في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر:
جاء الآن دور النظر في المجال العلمي والوقوف مع أشهر نظرية ظهرت في هذا القرن، وما أثارته من ضجة ونزاع وكيف كانت علاقتها بالدين والفكر والمجتمع.
مسكين هو العلم الذي يولد في قرن كهذا القرن أو يتطور فيه، فالدولة التي ترعاه دولة علمانية ذات توجه وضعي، والقيادات الفكرية تميل إلى المادية أو الإلحاد أو الوضعية، وتدعي أنها مذاهب علمية، وتمطر المجتمع بشبهات وأهواء لا مثيل لها، فكيف سيكون حال العلم في مثل هذه الأجواء المظلمة؟!
فلنلقِ نظرة سريعة عن أهم معالم التطور العلمي في هذا القرن قبل الوقوف مع أشهر نظرية ظهرت فيه، وبالرجوع لأشهر الموسوعات العربية وأحدثها نجد ما يأتي:

(١) انظر: قصة الفلسفة ص ٥٧٠.

1 / 200