ميزان العمل
محقق
الدكتور سليمان دنيا
الناشر
دار المعارف
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٩٦٤ هـ
مكان النشر
مصر
وإنما الكمال في الاعتدال، ومعيار الاعتدال العقل والشرع، وذلك أن يعلم الغاية المطلوبة من خلق الشهوة والغضب، مثلًا بأن يعلم أن شهوة الطعام، إنما خلقت لتبعث على تناول الغذاء الذي يسد خلل ما ينحلّ من أجزائه بالحرارة الغريزية، حتى يبقى البدن حيًا والحواس سليمة، ليتوصل بالبدن إلى نيل العلوم، ودرك حقائق الأمور، ويتشبه بالطبقة العليا بالإضافة إليه، وهي رتبة الملائكة، وبها كمالها وسعادتها. ومن عرف هذا كان قصده من الطعام التقوى على العبادة، دون التلذذ به، فيقتصر ويقتصد لا محالة، ولا يشتد إليه شرهه، ويعلم أن شهوة الجماع خلقت فيه لتكون باعثة على الجماع الذي هو سبب بقاء النوع محفوظًا ليطلب النكاح للولد والتحصّن، لا للعب والتمتع، وإن تمتع ولعب كان باعثه عليه الآلف والاستمالة الباعثة على حسن الصحبة ودوام النكاح، ويقتصر من الأنكحة على القدر الذي لا يعجزه عن القيام بحقوقه. ومن عرف ذلك سهل عليه الاقتصار، وعند ذلك لا يقيس نفسه بصاحب الشرع ﵇، إذ كان لا يشغله كثرة الأنكحة عن ذكر الله تعالى، ولا يلزمه طلب الدنيا لأجل الأزواج. ومن ظن أن ما لا يضر صاحب الشرع لا يضرّه، كان كمن ظن أن ما لا يغّير البحر الخضم من النجاسات، لا يغير كوزًا مغترفًا من البحر، وأن ما لا يضر الشخص القوي البنية
1 / 270