151

الاختلاط بين الرجال والنساء

الناشر

دار اليسر

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

تصانيف

بَقِيَ مِمَّا كُنَّا نَعْرِفهُ مِنْهُ شَيْء. ذَهَبَ بِوَجْه كَوَجْه الْعَذْرَاء لَيْلَة عُرْسهَا وَعَاد بِوَجْه كَوَجْه الصَّخْرَة الْمَلْسَاء تَحْت اللَّيْلَة الماطرة، وَذَهَبَ بِقَلْب نَقِيّ طَاهِر يَأْنَس بِالْعَفْوِ وَيَسْتَرِيح إِلَى الْعُذْر وَعَادَ بِقَلْب مدخول لَا يُفَارِقهُ السّخط عَلَى الْأَرْض وَسَاكِنهَا وَالنِّقْمَة عَلَى السَّمَاء وَخَالِقهَا، وَذَهَبَ بِنَفْس غَضَّة خَاشِعَة تَرَى كُلّ نَفْس فَوْقهَا وَعَادَ بِنَفْس ذَهَّابة نَزَّاعَة لَا تَرَى شَيْئًا فَوْقهَا وَلَا تُلْقِي نَظْرَة وَاحِدَة عَلَى مَا تَحْتهَا، وَذَهَبَ بِرَأْس مَمْلُوءَة حَكَمَا وَرَأَيَا وَعَاد بِرَأْس كَرَأْس التِّمْثَال الْمُثَقَّب لَا يَمْلَؤُهَا إِلَّا الهَوَاء الْمُتَرَدِّد، وَذَهَبَ وَمَا عَلَيَّ وَجْه الْأَرْض أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ دِينه وَعَاد وَمَا عَلَى وَجْههَا أَصْغُر فِي عَيْنه مِنْهُ.
وَكُنْت أَرَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَة الْغَرِيبَة الَّتِي يَتَرَاءَى فِيهَا هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء مِنْ الْفِتْيَان الْعَائِدِينَ مِنْ تِلْكَ الدِّيَار إِلَى أَوْطَانهمْ إِنَّمَا هِيَ أَصْبَاغ مُفْرَغَة عَلَى أَجْسَامهمْ إِفْرَاغًا لَا تَلْبَث أَنْ تَطلعَ عَلَيْهَا الشَّمْس الْمَشْرِقة حَتَّى تَنْصَلَ (١) وَتَتَطَايَر ذَرَّاتهَا فِي أَجْوَاء السَّمَاء وَأَنَّ مَكَان الْمَدَنِيَّة الْغَرْبِيَّة مِنْ نُفُوسهمْ مَكَان الْوَجْه مِنْ الْمِرْآة إِذَا اِنْحَرَفَ عَنْهَا زَالَ خَيَاله مِنْهَا؛ فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أُفَارِق ذَلِكَ الصَّدِيق وَلَبِستُهُ عَلَى عِلَّاته وَفَاء بِعَهْدِهِ السَّابِق وَرَجَاء لِغَدِهِ الْمُنْتَظَر مُحْتَمَلًا فِي سَبِيل ذَلِكَ مِنْ حُمْقه وَوَسْوَاسه وَفُسَّاد تَصَوُّرَاته وَغَرَابَة أَطْوَاره مَا لَا طَاقَة لِمَثَلِي بِاحْتِمَال مِثْله، حَتَّى جَاءَنِي ذَات لَيْلَة بِدَاهِيَة الدَّوَاهِي وَمُصِيبَة الْمَصَائِب فَكَانَتْ آخِر عَهْدِي بِهِ.
دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَرَأَيْته وَاجِمًا مُكْتَئِبًا فحَيَّيتُه فَأَوْمَأَ إِلَى بِالتَّحِيَّةِ إِيمَاءً فَسَأَلَتْهُ مَا بَاله، فَقَالَ: «مَا زِلْت مُنْذُ اللَّيْلَة مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَة فِي عَنَاء لَا أَعْرِف السَّبِيل إِلَى الْخَلَاص مِنْهُ وَلَا أَدْرِي مَصِير أَمْرِي فِيهِ»، قُلْت: «وَأَيّ اِمْرَأَة تُرِيد؟».
قَالَ: «تِلْكَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاس زَوْجَتِي، وَأُسَمِّيهَا الصَّخْرَة الْعَاتِيَة فِي طَرِيق مَطَالِبِي وَآمَالِي».

(١) أي تزول، نصل اللونُ نصلًا ونصولا: زال. (المعجم الوسيط، مادة نصل).

1 / 154