لكن ذلك الرضاء لا يمكن أن يكون كاملا في ظل عدم الأخذ بنفس إجراءات الإزالة لمستوطنات أخرى على البحيرة حول مدينة أبو سمبل، سواء كانت مستوطنات زراعية أو سياحية أو إدارية. ومثل هذا ينطبق أيضا على محطات الزراعات التجريبية لمشروع توشكى، وهي المقامة على ضفاف البحيرة مباشرة، وعلى أية مشروعات سياحية أخرى تقام على شاطئ البحيرة.
وكذلك فإن كثرة السفن التي تسير بالوقود السائل قد تكون مسئولة عن زيادة نسبة الكربون في الماء. فحسب دراسة د. أحمد مصطفى حمد المشار إليها سابقا زاد الإنتاج العضوي في البحيرة، بحيث وصل إلى 5 جرام كربون في المتر المكعب/يوم.
ولحسن الحظ، وبرغم التكلفة العالية لقنوات الري، فإن صلب مشروع توشكى يقع بعيدا عن البحيرة، ويمكن أن تنصرف مياه الزراعة إلى باطن منخفض توشكى الشاسع غرب المشروع. هذا فضلا عما يعلن دائما بأن الزراعة في مشروع توشكى سوف لا تستخدم المخصبات والأسمدة الكيماوية، وتقتصر على المخصبات العضوية؛ مما يقلل من مخاطر مياه الصرف على إيكولوجية الحياة في المنطقة وما جاورها.
وعلى أية حال فإنه نتيجة لهذه المخاطر، وإلى أن يثبت عكس ذلك، فالواجب أولا: التحذير مما تردد عن بيع بعض شواطئ البحيرة للمستثمرين بغرض إقامة مشروعات سياحية. فإن ذلك سوف يعجل بنمو الطحالب، وبالتالي يهدد بأخطار تلوث عال لهذا الماء الذي هو المنبع الوحيد لمياه النيل في مصر.
وإلى أن تتم دراسات عديدة في جسم بحيرة السد وأخوارها الكثيرة والتأكد من سرعة تكاثر الطحالب أو ثبات نسبة نموها، ووسائل القضاء عليها، وحفاظا على مصدر مياه مصرية أقل تلوثا وأقل ضررا، فالمطلوب التأني والتريث - بل وتأجيل - إصدار التصاريح بإقامة أي شكل من أشكال الاستخدام البشري للبحيرة وضفافها من ناحية، وإبعاد ما يمكن إبعاده من القرى والمستقرات الحالية عن مياه البحيرة من ناحية أخرى. صحيح أن ذلك سوف يهبط بحركة استخدامات كثيرة مربحة وبالأخص السياحة، ولكنها معادلة صعبة أن نقارن عوائد سياحية بأرواح الشعب المصري وصفاء النيل الخالد. (4-3) نحو «جمعية أصدقاء بحيرة السد العالي»
في السادس من الشهر الماضي نشرت في الأهرام موضوعا بعنوان «هل تهدد الطحالب السامة مياه بحيرة ناصر»، أتساءل فيه عن مدى مخاطر هذه الطحالب على صحة الإنسان المصري، وأدعو إلى تكوين لجنة من العلميين والمسئولين لدراسة الموضوع من أجل مستقبل مصر.
وقد وردت إلي منذ هذا النشر خطابات بالبريد العاجل من عدد من الأكاديميين في جامعتي أسيوط وسوهاج، ومكالمات تليفونية من عدد من النوبيين الذين يهمهم موضوع بحيرة السد العالي، باعتبار أن بعضا منهم أقام على شواطئ البحيرة منذ قليل من السنين مستوطنات زراعية، لكن السلطات المعنية أزالتها مؤخرا. وذكر لي المتحدثون من أهالي النوبة الكرام أنهم لم يكونوا يدركون مخاطر الإقامة على البحيرة، وهم على استعداد للتخلي عن مثل هذا الحلم الجميل إذا تخلت السلطات عن مشروعات استزراع وقرى سياحية ومدن على شواطئ البحيرة أيضا، خوفا على سلامة المياه التي يشرب منها 65 مليونا.
أما الرسائل التي وصلتني من العلماء فهي تؤكد مخاطر وجود طحالب عديدة من «الميكروسيست» و«أوسيلاتوريا» و«أروجينوزا »، تؤثر على نوعية المياه كما تؤثر على أسماك مزارع الأسماك في سوهاج. وكل ما تطرق إليه رأي الباحثين والعلماء هو نتائج أبحاث متعددة مشتركة مع متخصصين أجانب في مياه البحيرة ومياه مزارع الأسماك في سوهاج. إن ظروف الحرارة العالية والضوء الشديد ومياه الأخوار غير العميقة المتصلة بالبحيرة، كلها عوامل تؤدي إلى نمو الطحالب الخضراء المزرقة التي تتكاثر بعنف وسرعة أكثر في حالة وجود مخلفات عضوية ناجمة عن مشروعات مزارع الخريجين التي تتبناها مديرية الزراعة في أسوان، ومشروعات بيع أجزاء من شواطئ البحيرة لإقامة فنادق سياحية. والخلاصة: أن مياه البحيرة هي منبع مياه مصر، فإذا فرطنا فيها فالنتائج لا شك وخيمة كما يذكر أ.د. أحمد مصطفى حمد من جامعة أسيوط.
وفي أيام كثيرة نطالع في الصحف المصرية شكاوى عن نوعية مياه الشرب في محافظات مصرية عديدة، ليس فقط لتلوث بعضها بمياه الصرف الصحي، ولكن أيضا مياه الآبار ملوثة بمخلفات الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية المستخدمة لزيادة المحاصيل الزراعية، وكل أشكال التلوث هذه غالبا ما أسهمت في ظهور أو تفشي أمراض عديدة، كأمراض الكلى والجهاز الهضمي التي يعاني منها قدر كبير من المصريين، بدليل انتشار مستشفيات خاصة بهذه العلل التي لم تكن شائعة من قبل.
والآن يأتي دور مسبب آخر لتلويث المياه هي تلك الأنواع العديدة من الطحالب التي تشكل مخاطر صحية وبصفة خاصة الكبد الوبائي . على سبيل المثال فإن الدراسة المشتركة بين د. زكريا عطية (جامعة سوهاج) وأ. د. «واين كارمايكل» وتحليل العينات في واحد من أكبر معامل السموم في الولايات المتحدة، أن حيوان «دافنيا» المستخدم كجزء من غذاء الأسماك، يتغذى على طحلب الميكروسيست السام، ويركز السموم التي تتراكم في أحشاء ونسيج الأسماك التي تتغذى عليها! هذا البحث نشر في مجلات علمية، وفي المؤتمر العلمي الدولي الرابع للطحالب الخضراء المزرقة في أستراليا في شهر يوليو الحالي.
صفحة غير معروفة