إذا كان هيكل صادقا فيما كتبه، فإنه يمكن القول، على الأقل، إلى أي نتائج سخيفة قد أدت الأيديولوجيا القومية «غير الطبقية».
ص115:
إن الملاحظة التي أبداها هيكل بشأن رفض ناصر لأي شكل من أشكال «المغازلة» مع الولايات المتحدة الأمريكية لأمر مثير للفضول، وكذلك ما أشار إليه الكاتب مرتين بأن السادات، وبعد أن أصبح رئيسا، لم يكن مرتبطا ب «ميراث معاد للأمريكيين»، ومن ثم فقد استطاع المضي قدما نحو تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم القيام بانقلاب في السياسة الخارجية للبلاد. ومن المميز، ونحن نتحدث عن تغيير طابع العلاقات المصرية الأمريكية بعد وفاة ناصر، أن الكاتب لم يأت مطلقا على ذكر ما الذي تغير في موقف الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها بمصر وإسرائيل؛ فلا يوجد ما يقال بشأنها هنا؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد إلى مصر، وإنما مصر هي التي عادت إلى الولايات المتحدة مقدمة كل التنازلات الضرورية من أجل ذلك.
ص116:
هكذا قام السادات بعد مرور ما يقرب من شهرين أو ثلاثة على توليه منصب الرئيس بممارسة لعبة سياسية نشيطة من وراء ظهر الاتحاد السوفييتي. ولعل من الضروري أن نلقي بالضوء هنا على هذا الظرف؛ إذ إن السادات ظل على مدى ما يزيد على ثلاث سنوات منذ توليه الحكم يؤكد في تصريحاته للزعماء السوفييت (وللسفير السوفييتي أيضا) أنه لن يجري أي اتصالات مطلقا مع الولايات المتحدة الأمريكية من وراء ظهر الاتحاد السوفييتي دون أن يبلغه بها.
إن الواقعة التي وصفها هيكل، عندما فوضه السادات في إبلاغ الأمريكيين على نحو سري أن مبادرة السادات في الرابع من فبراير
10
1971م لم تكن مطلقا بإيعاز من الاتحاد السوفييتي، تمثل النموذج الأول من بين النماذج التي أصبحت معروفة فيما بعد، على تعاون السادات مع الأمريكيين؛ فالسادات لم يذكر كلمة واحدة للجانب السوفييتي حول هذه الاتصالات.
ص117:
لم يبلغ السادات الجانب السوفييتي بفحوى الرسالة المهمة التي أرسلها إليه نيكسون. أتذكر في هذا السياق المشاهد العاصفة التي أعدها السادات للسفير السوفييتي ، عندما قمت من جانبي بالتلميح وعلى نحو مهذب بضرورة أن تكون هناك اتصالات سوفييتية مصرية مستمرة، وأن يتم تبادل المعلومات والتنسيق في العمل. لقد اشتعل السادات غضبا وتحدث صائحا عن أنهم في الكرملين لا يثقون فيه وما إلى ذلك. إن كتاب هيكل، بالمناسبة، يمثل أهمية كبرى حيث يسمح بكشف أكاذيب السادات في علاقته غير المخلصة تجاه القيادة السوفييتية، وفي كل صراخه حول عدم الثقة فيه كان (والأرجح أنه سيكون دائما) أمرا مصطنعا. إن هيكل، أقولها ببساطة، يفضح السادات، ربما دون قصد منه.
صفحة غير معروفة