وافق السادات على رأي السفير السوفييتي، وقال إنه أصدر تعليماته إلى هيكل بإعداد مقال كبير في هذا الصدد (كان على السادات أن يقتنع هو نفسه بذلك). في واقع الأمر، فقد كتب هيكل مقالا ضافيا مدعما بالجداول، وهو ما سبب للمصريين صدمة بطبيعة الحال. لقد رأوا أن مصر تقف الآن على شفا كارثة عسكرية، بدلا من الانتصار الذي تحدثوا عنه من قبل. وعلى هذه الخلفية بدا موقف الاتحاد السوفييتي منطقيا؛ فالاتحاد السوفييتي يتجه الآن نحو وقف إطلاق النار لإنقاذ مصر.
ص238:
من الأمور المميزة لهيكل إسقاطه لجوانب مهمة للغاية من وجهة نظر الحقائق التاريخية الثابتة؛ مثل كيف تم تنظيم وقف إطلاق النار، وكيف بدأ الأمر. يورد هيكل مقولة أحمد إسماعيل بعد الثغرة التي أحدثها الإسرائيليون، أن من المستحيل، على حد قوله، دفع وحدة عسكرية للقضاء عليها، يورد هيكل هذا الرأي الذي قاله إسماعيل للسادات «على انفراد» (المثير للفضول هو كيف عرف الكاتب بذلك؟). إن جوهر ما صرح به إسماعيل يبدو ملتبسا، فإما أنها صياغة مهذبة للاعتراف بالفشل العسكري الذريع، وإما أنها إيحاء للسادات أن الظروف باتت مهيأة لتدخل الأمريكيين. لا أحد يعرف أيهما يقصد. ما الذي قاله وزير الحربية للسادات على انفراد؟ «قال إنه يتحدث الآن للتاريخ وبصفته مواطنا، وأنه إذا كان الرئيس يرى طريقا مفتوحا لوقف إطلاق النار على أساس شروط مقبولة، فإنه سيؤيد قراره»(!).
ينتقل هيكل بعد ذلك على الفور إلى عرض الرسالة التي بعث بها السادات إلى الأسد، مسقطا نقطة مهمة للغاية؛ طلب السادات نفسه من الاتحاد السوفييتي الإعداد لوقف إطلاق النار على وجه السرعة.
في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، يوم العشرين من أكتوبر، طلب السادات حضور السفير السوفييتي لمقابلته في قصر الطاهرة على وجه السرعة. وفي الساعة الثانية طلب منه، وكان يبدو عصبيا على نحو واضح، أن يبلغ موسكو طلبه العاجل لتقوم بالإعداد بسرعة لوقف إطلاق النار مع بقاء القوات الإسرائيلية في تلك المواقع التي احتلتها على الضفة الغربية للقناة. كان هذا بالضبط ما طلبه السادات. ومن اللافت للانتباه، أن أحدا حتى الآن من المصريين، بما فيهم السادات نفسه بطبيعة الحال، لم يذكر أن السادات هو أول من طلب وقف إطلاق النار.
ص239:
في رسالته للأسد يتحدث للأسد بكثير من المبالغة: «لقد كنت في الجبهة المصرية خلال العشرة أيام الأخيرة، أقاتل الولايات المتحدة الأمريكية أيضا (!)، حيث إنها كانت ترسل السلاح لها (إسرائيل). وأقولها بصراحة إنني لا أستطيع أن أقاتل الولايات المتحدة الأمريكية أو أن أتحمل أمام التاريخ المسئولية عن تدمير قواتنا المسلحة للمرة الثانية.» وقد تضمنت الرسالة أيضا عددا من الألاعيب الفظة. نفهم من الرسالة، على سبيل المثال، أن الاتحاد السوفييتي يضمن، هو والولايات المتحدة الأمريكية، انسحاب القوات الإسرائيلية والدعوة لعقد مؤتمر السلام تحت إشراف الأمم المتحدة. نحن لم نقدم ضمانات، وإنما السادات هو الذي طلبها.
بالمناسبة، كان رد الأسد على السادات صحيحا تماما، وعموما، وكما كشفت الأحداث السابقة، فقد اتضح أن الأسد كان يتمتع ببعد نظر وأمانة في علاقته بالاتحاد السوفييتي، خلافا للسادات.
الفصل الخامس: «حالة التأهب النووي»
ص246:
صفحة غير معروفة