376

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

تصانيف

فقدم إلى سوق باريس إفادات مالية بمبلغ مليونين وأربعمائة ألف جنيه إنجليزي بخصم معدله 12٪، واستحقاقات متسلسلة من 12 شهرا إلى 20 شهرا.

ولكن تسرعه في التقديم أيقظ مخاوف المشترين، فلم يكتفوا بطلب 14٪، بل حتموا أن يكون الدفع في باريس، وأن تتعهد الحكومة بعدم إصدار إفادات جديدة لمدة حددوها. وبما أن الوزير لم يكن ليرضى مطلقا أن يتقيد بمثل هذا القيد، أهمل مخابراته، ورجع عن غرضه.

غير أن المطالبة بسداد الديون التي أوجبتها الاحتفالات العظمى المنقضية ازدادت اشتدادا عليه، فاضطر، لكيلا يحرج مركزه، إلى ربط ضريبة جديدة مقدارها خمسة عشر قرشا صاغا على كل فدان يزرع، ما عدا أطيان الدوائر الخديوية - فإنها لم تكن تدفع ضرائب مطلقا - فاجتمع لديه من ذلك خمسمائة ألف جنيه إنجليزي - أي أقل من نصف المبلغ المطلوب - فأصدر للحصول على الباقي إفادات مالية جديدة، خصمها 22٪، بيد أن ذلك لم يجد نفعا، فالتجأ إلى وسيلة حال ضيقه دون إدراك فهمه عدم مشروعيتها.

وذلك أنه كان في بحر صيف سنة 1869، باع، نقدا، نيفا وخمسمائة ألف أردب بذرة قطن، على أن يسلمها بعد خمسة أو ستة أشهر، أي بعد بيع المحصول الذي كان لا يزال قائما على ساقه في الأرض.

فتربص المشترون ريثما تنقضي أشهر المهلة، ولكن ما أكبر ما كان اندهاشهم حينما تحققوا استمرار شون الحكومة خالية خاوية، بالرغم من بيع أقطانها، وحلول مواعيد التسليم، وذلك لإقدام الوزير على بيع كل ما وصل إليه من بذور القطن أولا فأولا، ونقدا نقدا، بدلا من تخزينه لتغطية تعهداته.

على أن بيع الشيء عينه مرتين، كان من شأنه وضع ذلك الوزير الخرب الذمة تحت رحمة مدائنيه. ولا شك في أنهم لو أرادوا مقاضاته لوجدوا إليها سبيلا واسعا، وتعضيدا حقا من صاحب الأمر الأسمى، ولكنهم لحسن حظ إسماعيل صديق المؤقت، وسوء حظ الحكومة المصرية كانوا أبعد الناس عن الإقدام على قتل الدجاجة ذات البيض الذهبي. وعليه، فإنهم اكتفوا بأن باعوا إلى الحكومة بسعر 78 قرشا صحيحا ما كانوا قد اشتروه منها بسعر 71 قرشا، ورضوا بأن تدفع لهم القيمة إفادات مالية، تسري عليها فوائد بواقع 12٪ سنويا، أي أنهم ربحوا في ذلك فائدة تعدل بثمانية عشر في المائة سنويا.

غير أن هذا جميعه لم يكن إلا تحايلا على التخلص من ضيق مؤقت ولم يكن ليرضي وزير المالية، لذلك أخذ يفكر في كيفية تمكنه من جمع مبالغ وافية، تعد بملايين الجنيهات. ورأى، بعد طول التدبر، أن خير وسيلة لنيل المبتغى إنما هي إجبار الأرض المصرية على تقديم قرض قدره خمسة عشر مليون جنيه، يوزع على مساحتها المزروعة، ما عدا أطيان الدوائر الخديوية (السنية)، باعتبار خمسة جنيهات عن كل فدان. ولما استقر هذا الرأي في تصميمه، طفق ينتظر، بفروغ صبر التئام مجلس النواب السنوي ليحمله على تقريره.

فالتأم ذلك المجلس كالعادة في أول فبراير سنة 1870، وكان الكل شيقا للوقوف على ما عساه يقال ويتم في جلساته، لأن الكل كانوا يتوقعون أن توضح خطبة الخديو حالة القطر الداخلية والخارجية، إيضاحا تاما، ويؤملون أن يجدوا فيها على الأقل تأكيدا صريحا بتسوية الخلاف الذي نجم مع الأستانة عن حفلات ترعة السويس، وبيانا لما تراه الحكومة في أمر مبلغ الضرائب، وتسوية الدين السائر.

ولكن الخطبة الخديوية لم تذكر من ذلك شيئا، واكتفت بشكر العناية الإلهية على ما أولت من نعم، وطلب معونة الله فيما ينوي من مشروعات خيرية، ثم أحالت النواب الراغبين في الوقوف على أعمال الإدارة على الوزارات المختصة، ووقفت عند ذلك الحد.

فكان وقعها في الأوساط المالية الأجنبية سيئا، لأن تلك الأوساط علقت على عدم تكلمها عن الحالة المالية ألف تعليق وتخرص.

صفحة غير معروفة