وإننا نعلم أيضا أن الرجال الذين أحاطوا بالباشا العظيم في حياته وساعدوه على نفاذ مشروعاته لم يكونوا، إذا استثنينا منهم بعض غربيين، سوى أفراد ذوي همم عالية ومخلصين، لم يكونوا من العلم بحيث يفهمون فائدة هذا العمل النافع الجليل، فإن لينان باشا حينما تعين باشمهندسا للوجه القبلي، وأحيط بزمرة من المهندسين المتخرجين من مدرسة هندسة القاهرة، طالب كلا منهم بعمل خريطة للجهة الكائنة تحت إدارته ليقدر مقدار كفاءته، وطلب من حكومة (محمد علي) الآلات اللازمة لذلك، فأجابته عن لسان محمد بك المنسترلي، وكان شيخا يكاد يكون أميا: «إن الطلب المقدم منك طلب صائب، ونقر لك أن ما تريد أن تعمله عمل مفيد، ولكن حيث إنا لا نعلم ما هي هذه الخرط، ولا ندري ما إذا كان في وسع المهندسين أن يصنعوها، فإنا نود أن نرى أولا بعضا منها من ذات صنعهم، فإذا أعجبتنا أسرعنا إلى إعطائك الآلات والأوراق التي طلبتها.»
5
ونحن نعلم كذلك أن لينان باشا نفسه في سنة 1840 - وكان إذ ذاك بكا - وضع بعد متاعب جمة خريطة عامة لمصر السفلي، ورسمها وكملها، ثم اقترح على الباشا العظيم أن ينشرها لتعم فائدتها، لا سيما بمصر، حيث يهم الكل، وعلى الأخص الحكومة، معرفة الترع والجسور والأشغال الخاصة بالري، فأعرض (محمد علي) عنه، ولم يجبه لا بنعم ولا بلا،
6
ونعلم أن لينان هذا أيضا وضع، بناء على أمر (محمد علي) نفسه، خريطة لمديرية الفيوم، راقب صنعها أدهم باشا - وكان رئيس ديوان الأشغال العمومية - مراقبة دقيقة، فبرزت خريطة جميلة جدا مقاسها ، فصنعوا منها واحدة أخرى مقياسها
وأعطوها للأمير تنفيذا لرغبته، فأهملتا مع ذلك، فضاع أثرهما بل ذكرهما،
7
ونعلم أن عناية حكومة (عباس الأول) بدفترخانات الأشغال وتصميماتها ورسومها وخرطها وملفات أوراقها، تمثلت في هذا العمل المادي، وهو أنهم وضعوها كلها في زكائب كبيرة كزكائب القطن، ورموها تحت دوس الأقدام في مخازن ملأى رطوبة وعفونة وجرذانا، فأكلتها تلك الرطوبة وهذه الحيوانات،
8
ونعلم أخيرا أن صدور أمر (محمد سعيد) إلى مصري يقال له محمود بك (محمود باشا الفلكي) - أقام مدة بفرنسا، يتعلم في مرصد باريس - بعمل خريطة عامة لمصر على قاعدة نقط مثلثية تحدد بملاحظة خطوط الطول والعرض، (فرجع محمود بك في وضع تلك الخريطة إلى عموم ما صنع من قبيلها، لا سيما خريطة الحملة الفرنساوية، وخرط لينان السابق ذكرها، والرسوم المساحية التي صنعها بيهض باشا لمديريات بني سويف والمنوفية والغربية، واستفاد من ذلك كله لصنع خريطته التي لما تمت كانت خير ما أخرج من نوعها في القطر المصري)، قد عد من أجل الأعمال العامة المفيدة في عهد (محمد سعيد باشا).
صفحة غير معروفة