وما ملكت أيمانكم
على إباحة استرقاق المرأة المسلمة من طريق البيع والشراء.
فأقبل فقراء المسلمين، لا سيما في الكرج والقوقاز، يبيعون أولادهم، باختيارهم، وهم يرمون بذلك إلى التخلص من عبء تقويم أود معاشهم، من جهة؛ وإلى التطويح بهم في بحر الحدثان، من جهة أخرى، عسى أن تذهب أمواجه بهم إلى شواطئ السعادة والعز، فإن كانوا إناثا، ربما تزوجن من بيك أو باشا أو وال أو من السلطان؛ وإن كانوا ذكورا، ربما ترقوا إلى أعلى المراتب، فأصبحوا أمراء جيوش؛ كحافظ باشا صاري عسكر آخر جيش عثماني قاتل (إبراهيم) الهمام؛ أو رؤساء دولة، كخسرو باشا كبير وزراء السلطان عبد المجيد، وألد أعداء (محمد علي) العظيم.
وأقبل أغنياء المسلمين يقتنون أولئك الفتيان والفتيات، ويختصون بالفتيات لقضاء لذاتهم وأوطارهم، وهم لا يعتقدون أنهم، بذلك، يرتكبون إثما، أو يأتون نكرا؛ جهلا منهم بأصول دينهم، فاضطرهم إكثارهم من ابتياع الجواري واقتنائهم لهن في بيوتهم إلى الاستمرار على اقتناء الخصيان لحراستهن، وإلى الإكثار من شراء الإماء السود لخدمتهن.
ولكن إغلاق باب الحروب أدى إلى تعذر الحصول على الطلبين، فنشأت من ذلك النخاسة وترعرعت، وفشت فشوا عظيما! والنخاسة هي صيد السود، صيدا، وتقييدهم بالحديد، وسوقهم إلى أسواق بيع الرقيق، كالأنعام، حتى لقد يموت كثيرون منهم في الطريق!
ولم يكن العالم المسيحي الغربي أقل تمسكا بمبدأ الاسترقاق من العالم الإسلامي في الزمان المتأخر ولكن لدواع غير دواعيه، فالمسلمون كانوا يبتغون من الرق، على العموم، التسري والترف؛ وأما العالم المسيحي فكان يبتغي منه الاستغلال والنفع، فكانت نتيجة اختلاف الغرض بينهما أن العالم الإسلامي، على العموم، كان يعتني بالرقيق اعتناء المرء بوسائل لذاته، ويعامله معاملة العضو في عائلاته؛ بل كثيرا ما يزوج الأرقاء من بناته والرقيقات من أولاده، ولو أن هناك استثناءات نادرة قد تؤخذ حجة على خلاف ذلك: كإقدام أحمد الجزار باشا، والي عكا، في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، مثلا، على قطع أنوف جواريه، وآذانهن، ونهودهن، وألسنتهن على سبيل التسلية والتفكهة؛ وإقدام (إبراهيم) الهمام نفسه، في ساعة غضب شديد، على قتل مملوكه المفضل عثمان، لذهابه إلى الحمام بدمشق بدون إذن منه، وأمره بدفنه، بحيث تظهر قدماه خارج الأرض فتأتي الكلاب وتنهش جثته؛
25
أو إقدامه يوما، شرب فيه أحد أولاده، وهو طفل، لبنا، فاعتراه ألم، فاضطربت والدته واتهمت أربعا من جواريها بأنهن سممنه، على إصدار أمره بالقائهن حالا في النيل، قبل التثبت من صحة التهمة - وقد كانت كاذبة؛
26
أو كإقدام (عباس) على الأمر بخياطة شفتي جارية من جواري قصره صادفها تدخن في إحدى طرقاته - وكان التدخين محظورا على أمثالها وغير مسموح به في القصور إلا لرباتها، أزواج أربابها الشرعيات.
صفحة غير معروفة