مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

محمد فؤاد شكري ت. 1392 هجري
176

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

تصانيف

Sir Thomas Louis

من قطع أسطوله لتعزيز عمليات «فريزر» ضد رشيد، ورأى «فريزر» أن من واجبه تبرير هذا القرار الذي وصل إليه، فكتب إلى «وندهام» في 27 مارس يوضح الأسباب التي دعته إلى إرسال قسم من الجيش للاستيلاء على رشيد والرحمانية، والإجراءات التي اتخذها لتحقيق هذه الغاية، كما خصص جزءا من رسالته لبيان المعلومات التي حصل عليها، والتي كان غرض «فريزر» من ذكرها إقامة الدليل على أنه محق في الخطوة التي اتخذها، فقال: إنه بالرغم من التعليمات التي أصدرها «وندهام» إلى الجنرال «فوكس» في 21 نوفمبر 1806، وتلك التي أصدرها هذا إليه في 21 فبراير 1807 وهي تخوله الاستيلاء على الإسكندرية فقط، فإن ما بسطه «مسيت» من أسباب في عبارات قوية تضمنها كتابه إليه جعلته بموافقة «داكويرث» يرضى بالرغم من معارضة ذلك لميوله معارضة شديدة بإرسال قسم من القوات التي تحت قيادته للاستيلاء على رشيد والرحمانية، وأن يعهد بهذه المهمة الميجور جنرال القائد «ووكوب»

Wauchope

مع «ميد»

Brigadier-General Meade ، مع فرقته التي تتألف من الآلاي الواحد والثلاثين والقناصة البريطانيين، بما يبلغ الألف وأربعمائة رجل إلى جانب تزويدهم بمدفعية ملائمة وغير ذلك من عتاد الحرب، وعلى أن يعودا أدراجهما بعد تنفيذ هذه المهمة وترك حاميات كافية في رشيد والرحمانية، وطلب «فريزر» نجدات جديدة كبيرة؛ حيث إن إرسال هذا القسم من جيشه إلى جانب الأقسام الأخرى التي كانت تحتل قلعة أبي قير والقطع (قطع المعدية) بالإضافة إلى ضرورة احتلال بعض المواقع الأخرى أثناء العمليات المقبلة، من شأنه إنقاص ما لديه من قوات، وذلك كله عدا حاجته إلى عدد كاف من الجند معه لرد أي هجوم قد يقع عليه هو بالإسكندرية، على أن تحضر هذه النجدات الكبيرة إليه فورا.

ثم إن «فريزر» طلب كذلك في رسالته هذه أن ترسل إليه حكومته تعليماتها ورغباتها بصدد ما تراه في مسألة إسداء العون أو عدمه إلى المماليك؛ لتمكينهم من الاستيلاء على القاهرة وطرد الأرنئود كلية من مصر بأسرها، وتلك أشياء قال «فريزر»: إنه يعرف أن مقصد المماليك منصب على تحقيقها، وأن الميجور «مسيت» قد شجعهم على انتظار مساعدة البريطانيين لهم في ذلك، ثم استطرد «فريزر» يقول إنه قد بعث برسائل ودية إلى رؤساء العربان الذين فهم عن أكثرهم أنهم يكنون الود للبريطانيين، كما أنه قد أرسل كتبا مصاغة في عبارات عامة إلى المماليك، تتضمن بيانا عن حسن نوايا الحكومة البريطانية نحوهم وتعبر عن رجائه في أن يظل هؤلاء في علاقات طيبة دائما مع البريطانيين.

وأما المعلومات التي أرسلها «فريزر» إلى «وندهام»، فقد أفرد لها قسما خاصا من كتابه - كما ذكرنا - فقال: «تفيد الأنباء التي بلغتنا بأن باشا القاهرة محمد علي قد غادرها من شهر مضى تقريبا في طريقه إلى الصعيد، وأنه موجود مع أكثر قواته ببني سويف، حسب ما بلغنا من آخر الأنباء عنه، وأن القنصل الفرنسي كان يلح عليه بقوة للنزول والسير إلى الإسكندرية لمقاومة الإنجليز في حالة مجيء الأخبار عن اقتراب حملتهم من مصر، وأن المتوقع أن الباشا سوف لا يحاول ذلك بعد أن لقى من جانب المماليك ما أوقفه في التحامه معهم، ولأن لديه ما يكفي أشغاله في الوقت الحاضر، وأن جميع الأرنئود من كل الأوصاف وبما يبلغ الاثني عشر ألف رجل، هم في خدمة محمد علي وأصدقائه، وأن معظم الزعماء العرب إن لم يكونوا جميعهم ميولهم طيبة جدا نحو الإنجليز، وأن سكان الإسكندرية ميولهم عموما طيبة جدا نحونا كذلك، وأنهم إنما أرغموا إرغاما يوم 18 مارس على قتالنا، الأمر الذي أميل إلى الاعتقاد بأنه الواقع، وأن القنصل الفرنسي «دروفتي» استطاع الهرب قبل تسليم الإسكندرية، وذهب إلى القاهرة من رشيد، وأن الشيخ محمد المسيري - الذي يعتبر بمثابة القديس في الإسكندرية - صاحب ميول ودية نحو الإنجليز، ويرحب، أو يتظاهر بأنه يرحب بمجيئهم، وأن الميجور «مسيت» قبل وصولي بمجرد أن علم بأن الحملة في طريقها في عرض البحر إلى مصر أبلغ هذا النبأ إلى البكوات، وأكد لهم بأن حكومتهم سوف يعاد تأسيسها في البلاد، ويقول: إن الذي حدا به إلى اتخاذ هذه الخطوة، علمه بأن باشا مصر محمد علي كان يحاول جادا لعقد السلام مع البكوات.»

تلك إذن الأسباب التي برر بها «فريزر» مخالفته للتعليمات التي لديه، والتي قصرت الغرض من حملته على الاستيلاء على الإسكندرية واحتلالها، وأظهر هذه الأسباب - كما رأينا - الاعتقاد بأن سكان الإسكندرية معرضون لخطر الموت جوعا إذا لم يأخذ الجنود البريطانيون رشيد والرحمانية وتتضافر عوامل أخرى، أهمها عدم توقع أي دفاع عنها يأتي من جانب محمد علي، ثم انتظار أن يقنع نجاح هذه العملية العسكرية المعتقد أنها سوف تكون بمثابة نزهة حربية البكوات بالنزول من الصعيد لمؤازرة جيش الاحتلال البريطاني، ولكن «فريزر»، وقد وافق أخيرا على الأخذ برأي «مسيت» أضاع بضعة أيام في الاستعداد الذي اتضح - كما سنرى - أنه كان استعدادا ناقصا، فكان فقط في 29 مارس 1807 وبموافقة نائب أمير البحر السير «جون داكويرث» - الذي أبحر في اليوم نفسه - كما قدمنا - إلى صقلية تاركا في القيادة البحرية السير «توماس لويس» - أن سير قوة من حوالي الألف وأربعمائة جندي من الآلاي الواحد والثلاثين بقيادة «ووكوب» و«ميد»، سارت برا إلى قصر أبي قير حيث كان الكابتن «هالويل» قد أعد به سفنا مسلحة لنقل الجنود إلى منفذ بحيرة إدكو الذي يصل بينها وبين خليج أبي قير، فأقام الجند قاعدة ارتكاز أو محطة

Caravansera

أو قيروان سراي بالقرب من هذا المنفذ، وساروا منها في تعب ومشقة حتى وصلوا إلى مرتفعات أبو منضور جنوب رشيد والمطلة عليها، فاتخذوا بها مواقعهم في مساء يوم 30 مارس، وكان مع هذه الحملة كرئيس للأدلاء أو المرشدين لها في سيرها «فيشنتزو تابرنا».

صفحة غير معروفة