ولما كان عثمان البرديسي يبذل جهده في هذه الآونة لإغراء «ماثيو لسبس» على ترك الإسكندرية والمجيء إلى القاهرة ويؤكد له صداقته للأمة الفرنسية، وكانت الحكومة الثلاثية علاوة على ذلك مشغولة بمطاردة خسرو وتدبر أمر علي الجزائرلي؛ فقد تلقى البكوات مشورة «مسيت» بالاحترام، ووعدوه باتباع نصائحه، ولكن «مسيت» كان يعلم أنهم لن يفعلوا شيئا مما أشار به عليهم، واعترف بشعوره أنه لا يصح الاعتماد على أقوالهم كثيرا، وتوقع لذلك أن العدو أو الفرنسيين سوف لا يجدون صعوبة تذكر إذا حاولوا وقتئذ فتح هذه البلاد، وتحير «مسيت» في أمره، كيف يكسب البكوات في القاهرة إلى جانبه؟ فهداه تفكيره - على نحو ما ذكر في رسالة أخرى للورد «هوبارت» في اليوم نفسه - أن المال ومظاهر الثراء هما اللذان يكفلان نجاح الدولة الأجنبية في بلدان الشرق فيقول: إن عملاء أو وكلاء الدول الأجنبية في مصر يمارسون التجارة مما يعود عليهم بأرباح مالية طائلة، ويجعل لهم أصدقاء من بين المتصلين برجال الحكم، فيتمتعون لذلك بنفوذ لا يمكن أن يكون لهم إذا هم اقتصروا على استخدام الوسائل الشريفة في نشاطهم فحسب، زد على ذلك أن هذا الثراء يكسبهم فخامة المظهر الذي يتزايد أيضا بنسبة نفوذهم، وللثروة في البلاد الشرقية القدرة على إرغام الناس على احترام أصحابها، وليست لي هذه المزايا، وبدونها لا يمكن أن يصبح لي نفوذ على البكوات في تشكيل آرائهم أو لمحاولة معرفة أغراضهم، وللوصول إلى ذلك أهمية كبرى في هذه الظروف وبخاصة إذا أرسل الباب العالي ضدهم جيشا إلى مصر.
وقد يكون هذا التفسير الذي علل به «مسيت» انعدام أي نفوذ له على بكوات القاهرة أو عدم احترام هؤلاء له صحيحا، ولكن الثابت أن مبعث ازدراء هؤلاء له وخصوصا عثمان البرديسي إنما كان سوء تصرف «مسيت» أثناء مهمة «فشنتزو تابرنا» الذي أوفده السير «ألكسندر بول» سكرتيرا لبعثة الميجور «مسيت» لجس نبض البكوات فيما يتعلق بتنفيذ مشروع «بول» الخاص بالدفاع عن مصر، فقد أفهم «مسيت» البكوات أن «تابرنا» مزود بسلطات من الحكومة الإنجليزية لعقد اتفاق مع هؤلاء لمساعدتهم في تحصين الشاطئ المصري والدفاع عن البلاد وأن في وسع البكوات أن ينتظروا كل معاونة من مالطة، حتى إن هؤلاء ما لبثوا أن أوفدوا سليم أفندي مندوبا عنهم للمفاوضة وإبرام الاتفاق مع السير «ألكسندر بول» في مطالة، ولكن فشل سليم أفندي في مهمته للأسباب التي ذكرناها في موضعها جعل البرديسي يعتقد - كما قال «لسبس» في رسالته إلى «تاليران» في أول ديسمبر 1803 - أن «مسيت» قد خدعه فأساء البكوات معاملة «مسيت» ومنعه كبرياؤه من ذكر ذلك في رسائله إلى حكومته، ولو أنه اعترف في رسالته إلى اللورد «هوبارت» في 11 فبراير 1804 - وقد أشرنا إليها عند الكلام عن سوء الحكم والإدارة في عهد الحكومة الثلاثية - بأنه اضطر إلى مقاومة لغة التهديد التي خوطب بها بإظهار عزمه على إطلاق النار على كل من تحدثه نفسه باقتحام منزله عليه مهما كانت مرتبته، كما اختتم رسالته هذه بقوله إنه وجد بقاءه بالقاهرة غير مأمون العواقب، وإنه لذلك سوف يغادرها حالا إلى الإسكندرية، وقد غادر القاهرة فعلا في 23 فبراير 1804.
وكان مما نفر البكوات منه وزاد البرديسي اعتقادا بأنه إنما يبغي التدليس عليه وخديعته، أن «مسيت» باعترافه هو نفسه بينما كان يؤكد للأهلين عدم احتمال مجيء الفرنسيين إلى هذه البلاد راح يؤكد للبكوات أن الغزو الفرنسي أمر مفروغ منه وواقع لا محالة، وقد حاول «مسيت» تبرير مسلكه الخاطئ هذا بقوله - في رسالته إلى «هوبارت» من الإسكندرية في 27 فبراير - إنه كان يهدف إلى منع الأهلين من تشجيع الوكيل الفرنسي «ماثيو لسبس» على المضي في دسائسه ومكائده، وهو الذي يعتبر بطبيعة الحال أن صداقة شعب لحق به الأذى قد يصبح عاملا قويا في إمكان تحقيق مشروعات الجمهورية الفرنسية، ومع أن الألفي منافس البرديسي وغريمه كان قد عاد من سفارته إلى لندن مؤيدا من الإنجليز، فقد خيل إلى «مسيت» أن بوسعه استخدام لغة الوعد والوعيد مع البرديسي حتى يجذبه إلى تعزيز المصالح البريطانية، فذكر في كتابه إلى «هوبارت» في 22 فبراير؛ أي قبل مغادرته القاهرة بيوم واحد أنه أبلغ «تابرنا» بسبب ما فعله البرديسي مع الألفي ومطاردته له أن يذكر للبرديسي إذا تحدث هذا عن صداقته لإنجلترة أن الواجب يقتضيه إقناع العالم بأن ما فعله مع الألفي لم يكن الغرض منه مهاجمة النفوذ الإنجليزي بطريق غير مباشرة، وأن عليه أن يرفض كل علاقة مع فرنسا، وأنه لا يكفي أن يتخذ - وكما فعل حتى الآن - موقف حياد يجعله صاحبه موضع شكوك كثيرة، بل من المنتظر منه أن يؤيد بحرارة قضية الإنجليز ويبذل قصارى جهده حتى يجعل أية محاولة تأتي من جانب فرنسا لغزو مصر أمرا متعذرا وغير عملي.
وقال «مسيت» يفسر سياسته هذه: إن غرضه من جعل عثمان البرديسي نهبا بين بواعث الخوف والرجاء أن يترك لحكومة صاحب الجلالة البريطانية الميدان فسيحا إذا وجدت من المناسب اتخاذ إجراءات نشيطة ضد هذا البك دون أن يكون له وجه حق في الشكوى من ذلك، ثم منعه في الوقت نفسه من الارتماء في أحضان فرنسا. وغني عن البيان أن هذا الأسلوب لم يردع عثمان البرديسي، بل حاول الأخير أن يتخذ من تصريحات وبلاغات «تابرنا» و«مسيت» ذريعة لإقناعهما بضرورة تخلي الحكومة الإنجليزية عن مؤازرة الألفي، وكان من السهل عليه للوصول إلى هذه الغاية أن يؤكد لهما صداقته لبريطانيا، بينما ظل يناصب العداء صديق بريطانيا وحليفها الألفي، ولا يمتنع عن فرض الإتاوات على الرعايا والمحميين البريطانيين.
ثم ظهر عجز «مسيت» وقصور نظره في علاقته مع الأرنئود ومحمد علي، فقد توهم أن هؤلاء ليسوا سوى مرتزقة في خدمة البكوات، وما إن أبدى له محمد علي في نوفمبر 1803 رغبته في العودة إلى بلاده وعلى ظهر سفينة إنجليزية - لأنه كما قال لا يطمئن على سلامته إذا نقلته سفينة عثمانية - حتى اعتقد «مسيت» أن محمد علي والأرنئود قد صاروا في متناول يده، ثم اطمأن خاطره عندما تقلد خورشيد باشا الولاية بعد طرد حكومة البكوات من القاهرة؛ لأن خورشيد كان قد قبل مساعدات مالية من «بريجز» نائب القنصل البريطاني في الإسكندرية، ولأن «مسيت» - كما اعتقد - قد ساهم بقسط كبير في التدابير التي انتهت بتنصيب خورشيد، وعقد آمالا كبارا على تعزيز الدفاع عن البلاد على يد خورشيد وبمعونة الإنجليز ضد الغزو الفرنسي، ولكن هذه الآمال سرعان ما انهارت، عندما تبين له أن خورشيد ليس سوى صورة مزخرفة في يد محمد علي يحركها كيفما يشاء، وتبين له علاوة على ذلك أن محمد علي والأرنئود ليسوا أدوات في يده، فصدمته هذه الحقائق، وراح يكتب إلى «هوبارت» في 18 مارس 1804 أن الأرنئود قد تجاوزوا كل الحدود، وصاروا لا ضابط لهم منذ أن طرد المماليك من القاهرة، وأنهم سوف ينشرون الخراب والدمار في طول البلاد وعرضها، وأنهم وقد جمعوا ثروات طائلة قد يؤثرون مناخ مصر الطيب على العيش بين جبال ألبانيا الوعرة.
ومنذ أن بدأ يعلو نجم محمد علي رويدا رويدا، وصار القوة الفعالة أيام خورشيد، واتضح أن هناك صعوبات جسيمة تحول دون إنشاء حكومة مملوكية بزعامة الألفي، وأن أمن البلاد وسلامتها قد صارا مهددين في نظر «مسيت» وأن الفرنسيين لذلك كله سوف لا يلقون أية مقاومة عند غزوهم لمصر، حقد «مسيت» على محمد علي، وتزايد حقده عليه بتوالي الأيام، وبالرغم مما بذله محمد علي من محاولات لاسترضائه على أمل أن يكسب بفضل ذلك مؤازرة الحكومة الإنجليزية له، وسهل على «مسيت» تحت تأثير هذا الحقد أن يؤكد للورد «هوبارت» في 12 مارس 1804 أن محمد علي قد باع نفسه لفرنسا، وأنه حتى يخدم مصالحها قد يحرض الأرنئود على طرد المماليك من القاهرة ورشيد ودمياط، وظل يؤكد له - في 28 مايو - أنه وقد رشاه الوكيل الفرنسي صار من المنتظر أن يعمل على مقاومة كل إجراء يهدف إلى إنشاء حكومة مستقرة قوية في مصر، ثم أكد أن محمد علي رجل لا مبدأ له، ذكر له - كما كتب «مسيت» إلى «هوبارت» في 10 أغسطس - أنه إنما يخدم الدولة التي تدفع ثمنا أعلى لخدماته، ولما كان محمد علي يبذل قصارى جهده ليصبح سيدا على مصر وحاكما لها، فقد رجا «مسيت» اللورد «هوبارت» في رسالته هذه أن تتدخل الحكومة الإنجليزية لدى الديوان العثماني حتى يرفض هذا عروض محمد علي الخادعة.
على أن موقف «مسيت» العدائي من محمد علي لا يلبث أن يتضح إذا عرفنا أن الفكرة المسيطرة على ذهنه ظلت دائما - وكما أوضحنا سابقا - أن يحتل الإنجليز هذه البلاد، الأمر الذي لا يمكن أن يتم في نظره إلا إذا تأسست حكومة مملوكية في مصر، وعلاوة على ذلك فقد أعوزت «مسيت» الصفات التي تمكنه من إدراك مغزى الانقلابات التي حدثت، وصفه «ماثيو لسبس» في خطاب له إلى «جوبير» في 14 نوفمبر 1804 بأن له من المزايا ما يجعله رجل مجتمع من أعلى طراز، ولكنه سياسي من الصنف المتوسط قليل الذكاء، لا يعرف كيف يدبر خطة ذات هدف معين، أو ينفذ ما يعهد إليه من خطط، فلم يتعد نشاطه إرسال عرائض الألفي إلى القسطنطينية أو النصح لخورشيد بأن يطلب من الديوان العثماني نقل محمد علي من مصر، واعتقد أنه نال ظفرا عظيما عندما كتب إلى «هوبارت» في 13 أغسطس 1804 يبلغه نجاح مساعيه في هذه المسألة مع خورشيد وتعيين محمد علي لباشوية سالونيك بناء على توصية خورشيد، وكان «مسيت» سباقا للحوادث وقت إعلان ارتياحه لنيل مأربه وتهنئة نفسه على ما أحرزه من نجاح موهوم؛ لأن محمد علي بقي في مصر ولم يبرحها.
ومع أن «مسيت» عاد فأكد لهوبارت في 28 أبريل 1805 أن محمد علي صار الآن لا يخفي مطامعه في الولاية، وذلك بمناسبة عودته من الصعيد عقب استقدام خورشيد للدلاة لتعزيز حكومته وللتخلص من الأرنئود، ثم كتب أنه كان لدعوى محمد علي أنه إنما يبغي المطالبة بمرتبات الجند المتأخرة من القوة الجارفة ما جعل هؤلاء الدلاة الذين كان الغرض استخدامهم كمعول لهدم محمد علي ينقلبون الآن لتأييد قضيته، وعلم بتدخل أو وساطة المشايخ في هذه الأزمة، فقد فاته إدراك جسامة الخطر المحيق بولاية خورشيد، وظل يتحدث تارة عن الغزو الفرنسي وسهولة استيلاء الفرنسيين على البلاد بسبب ضعفها، وعن وجود أو عدم وجود معاهدة بين محمد علي والألفي تارة أخرى، وعن مسعى خسرو باشا وهو بكريت من أجل العودة إلى مصر تارة ثالثة، وعن عزم الألفي على إرسال مندوب من قبله إلى السفير الروسي في القسطنطينية يطلب وساطته لدى الباب العالي، ومر انقلاب مايو 1805 دون أن يبعث إلى حكومته بشيء عن أسباب هذا الانقلاب أو تفاصيله حتى يوم 28 مايو، ورأى عندئذ أن ينهي القول في هذا الحادث الهام بأن يعزو ببساطة كل ما وقع إلى تأثير الوكلاء الفرنسيين على محمد علي وتشجيعهم له على المضي في أطماعه التي راح «مسيت» يتغنى بما كان له من فضل كشفها من مدة طويلة سابقة، فقال في رسالته إلى «هوبارت» في 28 مايو: إنه يظن أن واجبه يقتضيه أن يذكر للورد «هوبارت» أن محمد علي كان قد طرد في العام الماضي بتحريض من الوكيل الفرنسي المماليك من القاهرة؛ لأن المفروض أنهم كانوا منحازين إلى جانب المصلحة البريطانية - وتلك مغالطة ظاهرة - وأن محمد علي قد استمر من ذلك الحين يتراسل مع وكلاء فرنسا في هذه البلاد وفي القسطنطينية، وأنه لو حدث أن ثبت محمد علي في الولاية التي اغتصبها لنفسه اغتصابا فسوف يعزو ذلك بدرجة ما إلى وساطة فرنسا إلى أن قال: ولما كنت من زمن طويل مضى قد اكتشفت نوايا محمد علي وأطماعه في ولاية مصر، فقد وجدت لزاما علي بالرغم من علاقاته مع فرنسا أن أظل على صلات طيبة في ظاهرها معه، ولقد تلقيت منه منذ تقلده منصب الولاية عدة رسائل مليئة بالملق والمداهنة؛ ولذلك فإذا تسنى له (أي لمحمد علي) النجاح في نضاله مع خورشيد، فقد لا يكون مستحيلا إقناعه بأنه ولو كانت قد ساعدته حتى هذه اللحظة دسائس الفرنسيين والفوضى التي أوجدها هؤلاء على تحقيق مآربه، فقد صار من صالحه وقد ملك الآن السلطة العليا في البلاد أن يقاوم مشاريع الفرنسيين المعروفة ضد مصر؛ أي غزوها.
ذلك كان تفسير «مسيت» لانقلاب 13 مايو 1805 وموقفه منه، وإن دلت رسالته هذه إلى «هوبارت» على شيء فإنها تدل على عجز «مسيت» عن تدبير خطة ذات هدف معين أو تنفيذ ما يعهد إليه به من خطط على نحو ما ذكره «ماثيو لسبس»، ثم على أنه سياسي من الصنف المتوسط قليل الذكاء، آية ذلك أنه ظل راسخ الاعتقاد بأن وجود محمد علي ونشاطه هما مصدر الفوضى المنتشرة في البلاد وأسباب عجزها عن الدفاع عن نفسها، وأن هذا الانقلاب الخطير إنما حدث بتحريض من الوكلاء الفرنسيين، وقد جعله عناده في خصومته لمحمد علي يرى في محاولات هذا الأخير لاستمالته ملقا ومداهنة فحسب، ولعل هذا الاعتقاد الذي رسخ في ذهنه إلى جانب ما استقر في ذهنه من اعتقادات أخرى تدور حول ضرورة إبعاد محمد علي والأرنئود وتأسيس حكومة مملوكية تمهد للاحتلال البريطاني في مصر هو ما حدا بمسيت إلى أن يسلك في علاقاته مع محمد علي طريق المراوغة والنفاق بعد ذلك.
وهكذا فإنه بينما كان يقع بالقاهرة انقلاب 13 مايو وما صحبه من اعتصام خورشيد بالقلعة وانتشار الاضطرابات والقلاقل نتيجة لذلك، كان «مسيت» في الإسكندرية يسعى لإشعال الفتنة بها ولزيادة الفوضى حدة على حدتها بترويج الإشاعات عن قرب مجيء حملة إنجليزية إلى مصر، وتوزيع الأموال لتدبير المظاهرات الصاخبة، غرضه من ذلك تهيئة الرأي الإسكندري لقبول فكرة احتلال الثغر بجند بريطانيين، ثم إنه صار يبذل قصارى جهده كي ينفر السلطات العثمانية والبكوات المماليك من الفرنسيين، ويصرف الأهلين ورؤساءهم عن تأييد المصلحة الفرنسية، وكان في هذه الفترة أن بدأ «مسيت» محاولاته لكسب الشيخ محمد المسيري إلى جانبه؛ ولهذا الشيخ نفوذ كبير على الأهلين، وهو معروف بميوله الفرنسية، وقد فصل «دروفتي» كل هذا النشاط في رسالة بعث بها إلى «باراندييه» في 6 يونيو 1805، جاء بها أنه قد تعالت الهتافات في الإسكندرية يوم 4 يونيو بحياة السلطان جورج، يهتف بها - كما قال - العربان الذين يوزع الوكلاء الإنجليز عليهم المال من أجل تحريك الشعب وحضه على الهتاف بحياة ملك بريطانيا، وأكد «دروفتي» علاوة على ذلك، أن ابن الشيخ المسيري قد حضر مأدبة غذاء عند «مسيت» وقال: إن الوكلاء الإنجليز يريدون كسب هذا الشيخ الذي أظهر حتى هذا الوقت ميلا نحو الفرنسيين وحكومتهم إلى جانب الإنجليز، ولقد نال هذا الشيخ صاحب السيطرة التامة على الرأي العام بالإسكندرية هدايا كثيرة من الإنجليز، ثم استطرد «دروفتي» يقول: وقد لا يرسل الإنجليز حملة إلى مصر، ولكن وكلاءهم هنا مكلفون - على ما يبدو - بإعداد الرأي العام لقبول مثل هذا الحادث إذا دعت ظروف الحرب إلى جعل احتلال البريطانيين لهذه البلاد أمرا لا مفر منه. ومن حيث الدعاية التي روجها «مسيت» ضد الفرنسيين، عمد الوكلاء الإنجليز إلى جلب طائفة من الصحف الأوروبية التي ظهرت حديثا واشتملت على مقالات مأخوذة من كتيب نشر في باريس لا تتحدث حديثا طيبا عن الضباط الأتراك، ثم صاروا يرسلونها إلى معسكر البكوات ويضعونها تحت أنظار العثمانيين بالإسكندرية، الأمر الذي لم يشك «دروفتي» لحظة في أنه يبعث على تذمر هؤلاء جميعا ويسيء إلى المصالح الفرنسية في هذه البلاد.
صفحة غير معروفة