Charles James Fox
وزير الخارجية الإنجليزية وقتئذ، والميجور «مسيت» في مصر، على أن السفير الإنجليزي لم يتدخل مطلقا في المفاوضة التي دارت بين مندوبي الألفي (وقد اشترك فيها سليمان أغا كذلك) وبين الباب العالي، وأن الإنجليز لم يكونوا قطعا هم الذين أوصوا بفتح باب المفاوضة أو توسطوا في ذلك.
فقد كتب السفير إلى وزير الخارجية البريطانية في 5 مايو 1806 يخبره بمقابلة مندوبي الألفي له، ويذكر ما تضمنته الرسائل التي تسلمها منهما، فقال: «إن إعادة تأسيس سلطة (أو حكومة) المماليك في مصر عن طريق تدخل حكومة إنجلترة هو كما ترى - مخاطبا «فوكس» - الغرض من إرسال هذه الخطابات، وقد سمعت من الكخيا محمد أغا كتخدا الألفي أن بعثته إلى القسطنطينية كانت بناء على مفاتحة من الباب العالي مبعثها الرغبة في السلام؛ ولذلك فقد أحضر معه عريضة استرحام يرجو فيها البكوات أن يظفروا ثانية بعطف سيدهم السلطان عليهم، ولكنهم يريدون أن تكون شروط الاتفاق والتسوية بضمانة إنجلترة ...» ثم أضاف كتخدا الألفي أنه يعلم بأن هناك هدايا يجب تقديمها في مثل هذه الحالات إلى الوزراء العثمانيين، وأبلغني أنه مخول بدفع المبالغ التي يجد «أربثنوت» أنها ضرورية لهذا الغرض، ولكنه (كتخدا الألفي) أخبر السفير أن البكوات يعرفون خداع الباب العالي؛ ولذلك فهم لا يدفعون شيئا ولا يوافقون على شيء إلا إذا حصلوا على وساطة حكومة أو ممثلي جلالة الملك فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة.
وعندئذ وعد السفير كتخدا الألفي بالكتابة إلى حكومته، وأبلغه أنه ليس لديه أية تعليمات في هذا الموضوع، ثم كتب كذلك إلى «مسيت» بهذا المعنى، ثم زاد عليه: ولو أنه يعتقد من سوء السياسة خسارة صداقة البكوات بفضل ما يبدو من جانبه من عدم إجابة ملتمسهم، فهو يشعر كذلك أن من عدم الحكمة تشجيع فكرة وساطة الإنجليز؛ لأنه متأكد تماما من أن الباب العالي في مثل هذه الموضوعات لن يوافق بحال من الأحوال على تدخل أية دولة أجنبية، وهم في القسطنطينية لا يميلون اليوم بتاتا للمناقشة في أية مسألة مهما كان مساسها بعيدا بشئون الإمبراطورية العثمانية الداخلية، حتى ولو كان ذلك مع بريطانيا العظمى بالرغم مما لهذه من نفوذ كبير لدى الباب العالي، وقد اختتم السفير رسالته بطلب التعليمات من حكومته.
وقد يظهر من الفقرة الأخيرة التي وردت في هذه الرسالة أنه كان لبريطانيا العظمى نفوذ عظيم حقا في القسطنطينية وقتئذ، ولكن المتتبع لتطور الموقف السياسي في عاصمة السلطنة، وبالصورة التي سبق توضيحها عند بحث الموقف الدولي، لا يلبث أن يلحظ أن السفير إنما قصد المغالطة عند ذكره لهذا النفوذ العظيم، أو أن ما ذكره تعبير عما كان يتمناه هو نفسه؛ إذ من المعروف أن الأمور كانت قد تأزمت وقتئذ بين الأتراك والروس، وأن الإنجليز كانوا يشعرون بزيادة حروجة مركزهم وهم يحاولون تسوية النزاع بين الطرفين لصالح حلفائهم الروس فضلا عما كانوا يبذلونه من جهود كبيرة لمنع انحياز الباب العالي إلى فرنسا في وقت كان نفوذ هذه الأخيرة قد بدأ يقوى من جديد بسبب انتصاراتهم الأخيرة في أوروبا ودل على قوته اعتراف الأتراك بلقب الإمبراطور الفرنسي منذ أول فبراير من العام نفسه.
ولما كان «أربثنوت» قد بعث إلى «مسيت» منذ 26 أبريل 1806 بتعليماته الموضحة لرأيه في مسألة الوساطة التي يطلبها الألفي، مع إبداء أسفه على أن يكون امتناعه عن التدخل سببا في فقد صداقة البكوات، فقد أوفد «مسيت» رسولا إلى الألفي يؤكد له - كما قال في كتابه إلى «أربثنوت» من الإسكندرية في 22 مايو - رغبة السفير الصادقة في خدمته، ولكنه حذره في الوقت نفسه من أن مساعي أعداء الإنجليز في القسطنطينية وحد الباب العالي من تدخل دولة أجنبية في مسألة يعتبرها من شئون الإمبراطورية الداخلية سوف يلقي صعوبات جسيمة في طريق المساعي الإنجليزية، ولكنه عندما بعث برسالته هذه إلى «أربثنوت» كانت قد وصلت الأخبار إلى الألفي منبئة بنجاح مساعي مندوبيه في القسطنطينية، فقال «مسيت»: «إن أشخاصا مختلفين قد وصلوا من القسطنطينية في هذه الأيام الأخيرة وأذاعوا أخبارا أحدثت تأثيرا مباشرا على الألفي، فحواها أن الوزراء العثمانيين قد قابلوا كتخداه بكل احترام ومحبة، وأن الأخير نجح تماما في بعثته، وأنه سوف يعاد تأسيس الحكومة المملوكية في مصر بفضل وساطة بريطانيا العظمى، ثم قال: ولا شك في أن الألفي سوف يذيع هذه الأخبار بين العرب، ولا شك كذلك في أنها سوف تبلغ محمد علي.» ولكنه (أي «مسيت») بادر باتخاذ خطوات معينة لتلافي الأثر الذي قد تحدثه هذه الأخبار عليه، وحتى لا يصغي لاتهامات ذوي الأغراض السيئة، (وهم الوكلاء الفرنسيون دائما في نظر «مسيت») ضد بريطانيا.
وأما المفاوضات التي جرت فعلا بين مندوبي الألفي والباب العالي، والاتفاق الذي استطاع الفريقان الوصول إليه، فقد تحدث عنها محمد أغا في كتاب بعث به إلى «أربثنوت» في 2 يونيو 1806، يتضح منه - إلى جانب ذكر الأسس التي قام عليها الاتفاق - أن السفير الإنجليزي لم يشترك في هذه المفاوضة، فقال كتخدا الألفي: «إنه لما كان الباب العالي قد تناول المسألة بالبحث فقد قررت هذه الحكومة (العثمانية) منح العفو من جديد للمماليك، وإعادة حقوقهم الأولى (السابقة) إليهم، وإعطاءهم كل المزايا التي يريدها سيدنا الألفي بك، ولسعادتكم (مخاطبا السفير) أن تلاحظوا أني لم أغفل بناء على ما أجزتموه لي، عن ذكر اسمكم، وأن أجعل مفهوما لدى الباب العالي أن هذه المسألة يجب أن تتم بطريقكم وبوساطتكم، وأنه لذلك لا معدى عن إبلاغكم الموضوع قبل البت فيه، وأن تعطوا سعادتكم الجواب المطابق. وقد أبدى رجال الباب العالي ارتياحهم لذلك، وقالوا: إنه سوف يجري إخبار سعادتكم عندما تبت الحكومة العثمانية نهائيا في المسألة وتأتي موافقة السلطان، وقد كادوا يفرغون منها تماما، وتسمية باشا القاهرة وهو موسى باشا الموجود الآن في سالونيك، وقد كلف القبطان باشا بالذهاب إلى الإسكندرية ومعه إحدى عشرة سفينة حربية وخمسة آلاف رجل، والانضمام إلى موسى باشا، وأن يعمل بمقتضى أوامر وفرمان الباب العالي على ممارسة المماليك لحقوقهم الأولى واستعادتهم لممتلكاتهم، وعلاوة على ذلك فإن الباشا الموجود حالا في القاهرة، (محمد علي) قد عين بناء على أمر الباب العالي باشا أو حاكما في بر الشام، وكذلك حسن باشا زعيم الأرنئود؛ وعلى ذلك فالألفي بك يتعين شيخا للبلد أو رئيسا أعلى، وكذلك إبراهيم بك يبقى في منصبه القديم، وعثمان بك حسن يتعين أميرا للحج، وإذا عارض الجند الذين بالقاهرة ومحمد علي أوامر الباب العالي المحددة، يعاملون كعصاة ثائرين، ويتحد البكوات مع القبطان باشا والأهالي في قوة متفوقة عليهم تخمد عصيانهم، وتطردهم خارج البلاد.»
وذكر كتخدا الألفي محمد أغا أن الوصول إلى هذا الترتيب قد تكلف 750000 قرش أو خمسين ألفا من الجنيهات، يجب دفعها لإنهاء الاتفاق، ولما كان القبطان باشا يتأهب للسفر بعد أيام قلائل، فقد طلب محمد أغا من السفير «أربثنوت» أن يدفع له هذا المبلغ مقابل إيصال باستلامه، وأكد أن الألفي له لدى السيد «بريجز»
Briggs
بالإسكندرية مبلغ كبير من المال يكفي لسداد ما يدفعه السفير الآن.
صفحة غير معروفة