فلما عاد «سنان باشا» إلى مصر (أول صفر سنة 979ه) عادت أحكامها إلى يده، فاهتم بتأييد النظام، حفظ رونق البلاد، فأعاد حفر ترعة الإسكندرية، ورمم وبنى فيها جامعا وشارعا وعدة حمامات، وبنى في «بولاق» «بمصر» شارعا ووكالات، وجامعا لا يزال معروفا باسمه، وما زال على مصر إلى ذي الحجة سنة 980ه، فخلفه «حسين باشا» وكان على جانب من اللطف والدعة وحب العلم والأدب، ولا يعاب إلا لكثرة حلمه، الأمر الذي أدى إلى تكاثر اللصوص في ولايته، ولم يحكم إلا سنة وتسعة أشهر.
وفي أيامه، توفي السلطان «سليم الثاني» في 28 شعبان سنة 982ه بعد أن حكم ثماني سنين وخمسة أشهر و19 يوما. (4) سلطنة «مراد بن سليم»
من سنة 982-1003ه أو من 1574-1594م
هو «مراد الثالث» ولد سنة 953ه. فلما تولى الملك لم يكن سنه يتجاوز الحادية والثلاثين من عمره. وكان عاقلا ورعا، وكانت الخمر قد شاع شربها في المملكة العثمانية، وأفرط الجنود فيها، وخصوصا الإنكشارية، فأمر بإبطال شربها، فثاروا وأجبروه أن يبيح لهم الشرب بما لا يسكرهم. وكان لهذا السلطان خمسة إخوة. فلما تولى الملك، أمر بقتلهم ليأمن منازعتهم إياه على الملك. (4-1) قتل الإخوة في الدولة العثمانية
وقتل الأخوة لهذا الغرض كان متبعا في الدولة العثمانية إلى ذلك الحين، وأول من فعل ذلك منهم رابع سلاطينهم «بايازيد بن السلطان مراد» (تولى الملك سنة 1319م) كان بكر إخوته وله أخ أصغر منه معروف بالشجاعة، والنجدة وعلو الهمة، فخاف منه على سلطته، فأجمع الأمراء على قتله، خوف الفتنة، وانقسام المملكة، ويقال إنهم فعلوا ذلك بفتوى شرعية أفتى بها علماء ذلك العهد بناء على الآية
والفتنة أشد من القتل . وأصبح قتل الإخوة قاعدة يرجع إليها العثمانيون عند الحاجة. فكان السلطان حالما تفضي إليه السلطنة بعد موت أبيه، يعمد إلى قتل إخوته ولو كان بعضهم رضيعا كما فعل السلطان «محمد الفاتح» وكان له أخ رضيع اسمه «أحمد» فلما مات أبوهما وأفضت السلطة إلى «محمد» فأول شيء باشره نقل جثة أبيه لتدفن في بورصة، ثم أمر بقتل أخيه.
ولما صارت السلطنة إلى السلطان «سليم الفاتح» عين ابنه «سليمان» حاكما على القسطنطينية، وحمل بجيوشه إلى آسيا لمحاربة إخوته، حتى يتفرغ لأعماله بعد قتلهم، ولا يبقى من ينازعه.
وكان من جملة أعماله في هذا السبيل، أنه عثر على خمسة من أولاد إخوته في بورصة، فأمر بقتلهم ثم طارد أخاه «كركود» حتى قتله كما تقدم . وكذلك فعل السلطان «مراد» بقتل خمسة إخوة حالما تولى الملك كما رأيت.
وأفظع من ذلك كله ما فعله السلطان «محمد الثالث» الآتي ذكره. فقد آلت السلطة إليه سنة 1595م وله تسعة عشر أخا غير الأخوات، فأمر بخنقهم قبل دفن أبيه، فخنقوهم ودفنوهم من تجاه جامع أيا صوفيا في الآستانة.
وكأن هذه المبالغة في الفتك أفضت إلى رد الفعل بإبطال هذه العادة الوحشية. فلما انتقلت السلطنة بعد «محمد» المذكور إلى ابنه «أحمد الأول» سنة 1603، ولم يكن سنه يتجاوز الرابعة عشرة، ولكنه كان عاقلا، وله أخ صغير اسمه «مصطفى» فلم يقتله، بل اكتفى بالحجر عليه في أثناء سلطنته، فأصبح السلاطين بعده يعولون في الاحتفاظ بسلامة سلطتهم على الحجر بدلا من القتل، والفضل في ذلك يرجع إلى السلطان «أحمد» المذكور.
صفحة غير معروفة