مشكاة االأنوار
محقق
الدكتور أبو العلا عفيفي
الناشر
الدار القومية للطباعة والنشر
مكان النشر
القاهرة
ثم إذا اتضح له ما فوقه مما رتبته رتبة القمر، رأى دخول الأول في مغرب الهُوِىّ بالإضافة إلى ما فوقه فقال: ﴿لا أُحِبُّ الآفلين﴾ وكذلك يترقي حتى ينتهى إلى ما مثاله الشمس فيراه أكبر وأعلى، فيراه قابلا للمثال بنوع مناسبة له معه. والمناسبة مع ذى النقص نقص وأفُول أيضًا. فمنه يقول: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفًا﴾ . ومعنى "الذى" إشارة مبهمة لا مناسبة لها: إذ لو قال قائل ما مثال مفهوم "الذى" لم يتصور أن يجاب عنه. فالمنتزه عن كل مناسبة هو الأول الحق. ولذلك لما قال بعض الأعراب لرسول الله ﷺ: "ما نسب الإله؟ " نزل في جوابه ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ إلى آخرها (و١٢ـ ب) معناه أن التقديس والتنزه عن النسبة نسبته. ولذلك لما قال فرعون لموسى: "وما رب العالمين" كالطالب لماهيته، لم يجب إلا بتعريفه بأفعاله، إذ كانت الأفعال أظهر عند السائل، فقال: ﴿رَبُّ السماوات والأرض﴾، فقال فرعون لمن حوله ﴿أَلاَ تَسْتَمِعُونَ﴾ كالمنكر عليه في عدوله في جوابه عن طلب الماهية، فقال موسى: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين﴾، فنسبة فرعون إلى الجنون إذ كان مطلبه المثال والماهية؛ وهو يجيب عن الأفعال، فقال: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ .
1 / 68