112

مشكلة الثقافة

محقق

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

١٤٢٠هـ = ٢٠٠٠م ط٤

مكان النشر

دمشق سورية

تصانيف

أن نُعَرّفَها طبقًا لمقياس عملي، وذلك بأن تكون صالحة لشيء ما، وأن تكون على علم بهذا الشيء، أي أن تتحدد طبقًا لما يجب أن تقوم به من عمل. فإلى أي حد سوف يهدينا التاريخ في هذا السبيل؟ هنالك نوعان من النماذج التي خلفها لنا الماضي، والتي من شأنها أن تفيدنا مثالًا تاريخيًا يضع حدود تعريف لثقافة ما: ففي عالم البحر الأبيض المتوسط يوجد النموذجان الروماني والإغريقي (١). وفي آسيا يوجد النموذجان المنغولي والصيني. فها نحن أولاء من أول خطوة في طريقنا أمام اختيار ريسي، فإما أن نُعَرّفَ الثقافة وسيلة للإمبراطورية، وإما أن نعرفها طريقًا إلى الحضارة، وبعبارة أخرى يواجه المجتمع مشكلاته بلغة القوة أو بلغة البقاء، بقدر ما تصوغ ثقافته أسلوب حياته وسلوك الأفراد فيه. وقد كان الذي صرف المجتمعات التي سبقتنا عن التماس حل نظري لمشكلة الثقافة، أن قضيتها لم تبرز واضحة أمام ضمائرها، فكان التاريخ في الواقع هو الذي يضعها ويحلها بوسائله الخاصة. فإذا كان الشعب الإغريقي والشعب الروماني قد سارا كلٌّ في طريق، فإن ذلك لم يكن ابتداء نتيجة اختيار، وإنما اتجها بكل بساطة إلى ما تميل إليه طباعهما. فنوع الثقافة إذن يتحدد في كل شعب تبعًا لحتمية منبعثة من نفسيته، وعلى أساس هذه النفسية اتجه الرومان نحو الإمبراطورية، بينما فرغ الإغريق لتحقيق معجزاتهم في صورة حضارة. فإذا ما نجم في نطاق ثقافة معينة نزوع يتعارض مع اتجاهها الطبيعي، فإن اتجاهها يقصيه بوصفه عنصرًا غريبًا عن ذاتها، وقد

(١) هذا الفصل بيان وجهه المؤلف إلى مؤتمر الكتاب الإفريقيين، وقد سبق أن ترجمه الزميل عمر كامل مسقاوي.

1 / 119