مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

الملا علي القاري ت. 1014 هجري
47

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

مكان النشر

بيروت - لبنان

وَلَيْسَ لَهُ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ نَقَضْنَا حُكْمَهُ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صِحَّتِهِمَا، وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ: الْإِجْمَاعُ أَقْوَى مِنَ الْإِسْنَادِ فَإِذَنْ أَفَادَ الْعِلْمَ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَالْمُحَقِّقُونَ: صِحَّتُهُمَا ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَهُمَا آحَادٌ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَإِنْ تَلَقَّتْهَا الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُمْ تَلَقَّوْا بِالْقَبُولِ مَا ظُنَّتْ صِحَّتُهُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّ تَصْحِيحَ الْأَئِمَّةِ لِلْخَبَرِ الْمُسْتَجْمِعِ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِمَا نَحْوَ مِائَتَيْ حَدِيثٍ مُسْنَدٍ طُعِنَ فِي صِحَّتِهَا، فَلَمْ تَتَلَقَّ الْأُمَّةُ كُلُّهَا مَا فِيهِمَا بِالْقَبُولِ لَكِنَّ بَعْضَ الْقَائِلِينَ بِالْأَوَّلِ اسْتَثْنَوْا هَذِهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا الْعِلْمَ بِالصِّحَّةِ جَعَلَهُ نَظَرِيًّا، وَهُوَ النَّاشِئُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ، وَمَنْ أَبَى هَذَا الْإِطْلَاقَ خَصَّ لَفْظَ الْعِلْمِ بِالْمُتَوَاتِرِ، وَمَا عَدَاهُ عِنْدَهُ ظَنٌّ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُمْكِنُ التَّصْحِيحُ، وَالتَّحْسِينُ، وَالتَّضْعِيفُ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ؟ وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي تَصَانِيفِهِمُ الْمُعْتَمَدَةِ، وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ، وَتَبِعُوهُ، وَأَطَالُوا فِي بَيَانِ رَدِّهِ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُعَاصِرِيهِ كَالْقَطَّانِ، وَالضِّيَاءِ الْمَقْدِسِيِّ، ثُمَّ الْمُنْذِرِيِّ، وَالدِّمْيَاطِيِّ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ. قِيلَ: وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا اخْتَارَ حَسْمَ الْمَادَّةِ لِئَلَّا يَتَطَفَّلَ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ. قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اخْتِلَافُهُمْ هَلْ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ الِاجْتِهَادُ الْمُطْلَقُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ ; فَقِيلَ: يُمْكِنُ، وَقِيلَ: لَا. وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ، وَمَنْعُهُ أَمْرٌ عَادِيٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْإِيمَانِ]

1 / 49