مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
مكان النشر
بيروت - لبنان
(بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ)، وَفِي نُسْخَةٍ: (أُمَّةٍ قَبْلِي): قِيلَ: عَلَى رِوَايَةِ أُمَّتِهِ بِالْهَاءِ يَتَعَلَّقُ قَبْلِي بِبَعَثَ أَوْ يَكُونُ حَالًا مِنْ أُمَّتِهِ، وَعَلَى رِوَايَةِ فِي أُمَّةٍ يَكُونُ قَبْلِي صِفَةً لِأُمَّةٍ.
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: نَحْنُ نَرْوِي مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي أُمَّةٍ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِالْهَاءِ بَعْدَ التَّاءِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَالْأَمْثَلُ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَقَدْ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ وَالْجَامِعِ وَالْمَشَارِقِ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَصَابِيحِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: الرِّوَايَةُ بِالْهَاءِ أَصَحُّ. قِيلَ قَوْلُهُ: نَبِيٌّ نَكِرَةٌ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُؤْتَى بِأُمَّةٍ نَكِرَةً إِذِ الْمَعْنَى مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ لِاقْتِضَاءِ مَا النَّافِيَةِ وَمِنَ الْاسْتِغْرَاقِيَّةِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ (إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ)، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فِي أُمَّتِهِ عِبَارَةٌ عَنِ النَّكِرَةِ فَهُوَ كَالتَّعْرِيفِ بِاللَّامِ بَعْدَ النَّكِرَةِ (حَوَارِيُّونَ): بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَخُفِّفَ فِي الشَّوَاذِّ أَيْ نَاصِرُونَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: حَوَارِيُّ الرَّجُلِ صَفْوَتُهُ وَخَالِصَتُهُ الَّذِي أُخْلِصَ وَنُقِيَّ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَقِيلَ: صَاحِبُ سِرِّهِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوصِ نِيَّتِهِ وَصَفَاءِ طَوِيَّتِهِ مِنَ الْحَوَرِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ، وَقِيلَ: الْحَوَارِيُّ الْقِصَارُ بِلُغَةِ النَّبْطِ، وَكَانَ أَصْحَابُ عِيسَى قَصَّارِينَ لِأَنَّهُمْ يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ أَيْ يُبَيِّضُونَهَا فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الِاسْمُ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَنْ يَنْصُرُ نَبِيًّا وَيَتَّبِعُ هُدَاهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ تَشْبِيهًا بِأُولَئِكَ (وَأَصْحَابٌ): يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا تَفْسِيرِيًّا، وَأَنْ يَكُونَ الْأَصْحَابُ غَيْرَ الْحَوَارِيِّينَ أَعَمُّ مِنْهُمْ (يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ)، أَيْ: بِهَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ (وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ)، أَيْ: يَتْبَعُونَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ (ثُمَّ): إِمَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي التَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى الْبُعْدِ فِي الْمَرْتَبَةِ (إِنَّهَا): الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ (تَخْلُفُ): بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ تَحْدُثُ (مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ): بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خَلْفٍ بِسُكُونِ اللَّامِ مَعَ فَتْحِ الْخَاءِ الرَّدِيءُ مِنَ الْأَعْقَابِ، أَوْ وَلَدُ السُّوءِ كَعَدْلٍ وَعُدُولٍ. قَالَ تَعَالَى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم: ٥٩] وَالْخَلَفُ بِفَتْحَتَيْنِ يُجْمَعُ عَلَى أَخْلَافٍ كَمَا يُقَالُ: سَلَفٌ وَأَسْلَافٌ وَهُوَ الصَّالِحُ مِنْهُمْ (يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ): وَصْفُ الْخُلُوفِ بِأَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ وَمُتَمَدِّحُونَ. بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَيْثُ يَقُولُونَ: فَعَلْنَا مَا أُمِرْنَا وَلَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ فَعَلُوا مَا نُهُوا عَنْهُ وَهُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: (وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ): وَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [آل عمران: ١٨٨] وَقَوْلِهِ ﷿ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢ - ٣] وَأَمَّا السَّلَفُ الصَّالِحُ ; فَإِنَّهُمْ لَمَّا اقْتَدَوْا بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَسِيرَةِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ ﷺ انْخَرَطُوا فِي سِلْكِ الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (فَمَنْ جَاهَدَهُمْ): جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ حَارَبَهُمْ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ (بِيَدِهِ فَهُوَ): بِضَمِّ الْهَاءِ وَتُسَكَّنُ (مُؤْمِنٌ): بِالْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ (وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ)، أَيْ: أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ (بِقَلْبِهِ): بِأَنْ يَغْضَبَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ قَدَرَ لَحَارَبَهُمْ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ (فَهُوَ مُؤْمِنٌ)، قِيلَ: التَّنْكِيرُ فِي مُؤْمِنٍ لِلتَّنْوِيعِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ دَلَّ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ، وَالثَّالِثَ عَلَى نُقْصَانِهِ، وَالثَّانِي عَلَى الْقَصْدِ فِيهِ (وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ): هِيَ اسْمُ لَيْسَ، وَمِنَ الْإِيمَانِ صِفَتُهُ قُدِّمَتْ فَصَارَتْ حَالًا، وَرَاءَ ذَلِكَ خَبَرُهُ، ثُمَّ ذَهَبَ الْمُظْهِرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ فِي
1 / 241