ضغطت على جرس الشقة بالدور الرابع. فتحت شراعة الباب. فتحت شراعة الباب عن وجه ماريانا. تغيرت كثيرا يا عزيزتي. ولم تعرفني في الطرقة المظلمة. أما بشرتها البيضاء الناصعة وشعرها الذهبي فقد توهجا تحت ضوء ينتشر من نافذة بالداخل. - بنسيون ميرامار؟ - نعم يا فندم. - أريد حجرة خالية.
الباب فتح. استقبلني تمثال العذراء البرنزي. ثمة رائحة ما لعلي أفتقدها أحيانا. وقفنا نتبادل النظر. طويلة رشيقة، الشعر ذهبي، والصحة لا بأس بها، ولكن بأعلى الظهر احديداب، والشعر مصبوغ حتما، واليد المعروقة وتجاعيد زاويتي الفم تشي بالعجز والكبر. إنك يا عزيزتي في الخامسة والستين رغم أن الروعة لم تسحب منك جميع أذيالها. ولكن هل تتذكرينني؟
نظرت باهتمام تجاري بادئ الأمر، ودققت النظر، ثم اختلجت العينان الزرقاوان. ها أنت تتذكرين، وها أنا أسترد وجودي الضائع. - أوه .. أنت! - مدام!
تصافحنا بحرارة، غلبها الانفعال فقهقهت ضاحكة، كنساء الأنفوشي قهقهت. وأطاحت بالوقار بضربة واحدة. - يا خبر أبيض، عامر بك، أستاذ عامر، ها .. ها.
جلسنا على كنبة الآبنوس تحت العذراء وشبحانا يتخايلان في زجاج صوان المكتب القائم للزينة.
نظرت فيما حولي وقلت: مدخل البنسيون هو هو لم يتغير.
فقالت محتجة، ملوحة بيدها بفخار: بل تجدد وطلي مرات، وعندك أشياء جديدة كالنجفة والبارفان والراديو. - إني سعيد يا ماريانا، الشكر لله على أنك في صحة جيدة. - وأنت أيضا يا مسيو عامر، المس الخشب. - عندي المصران الغليظ والبروستاتا، نحمده على أي حال. - أتجيء بعد زوال الصيف؟
قلت باهتمام: بل جئت للإقامة، متى تلاقينا آخر مرة؟ - منذ .. منذ .. أقلت للإقامة؟ - نعم يا عزيزتي، رأيتك آخر مرة منذ حوالي عشرين عاما. - واختفيت طيلة ذلك العمر! - العمل، الهموم ... - أراهن على أنك زرت الإسكندرية مرات ومرات في تلك الأعوام. - أحيانا، ولكن وطأة العمل كانت شديدة، وأنت أدرى بالصحافة. - وأعرف أيضا جحود الرجال. - ماريانا يا عزيزة، أنت أنت الإسكندرية. - تزوجت طبعا. - كلا بعد!
تساءلت مقهقهة: ومتى تتم النية وتقدم؟
قلت بنبرة لم تخل من امتعاض: لا زواج، لا أبناء، اعتزلت العمل، انتهيت يا ماريانا.
صفحة غير معروفة