ومضيت لزيارة علية محمد وأسرتها فاستقبلت استقبالا فاترا، بل متجهما. هممت بطرح بعض الأكاذيب كالعادة، ولكن والدها قال لي بغضب: تصور موقفنا وتلك الخادمة تناقشنا الحساب!
ولما جاء ميعاد الغداء لم أدع له. غادرت الشقة بلا أمل في وصل ما انقطع من الأسباب. والحق أني لم أكترث لذلك كثيرا. لم يعد يفصل بيني وبين الثراء إلا ساعات، وسوف أجد الزوجة الفاخرة المناسبة.
تناولت الغداء عند بنايوتي (محمود أبو العباس) ثم ذهبت إلى مسكن علي بكير ولكني لم أجده. مضيت إلى البنسيون والنهم إلى الأخبار يحرقني حرقا. أعددت حقيبتي وحملتها إلى المدخل. وتلفنت إلى علي بكير وكم غمرني الارتياح الساحر وصوته يرد علي قائلا: «آلو». - سرحان يقدم تحياته .. كيف الحال؟ - كل شيء طيب .. لم أقابل السواق بعد. - متى نعرف النتيجة النهائية؟ - قابلني مساء اليوم الساعة الثامنة بكازينو البجعة.
فقلت باستجابة متلهفة: طيب .. الساعة الثامنة مساء .. سأنتظرك في كازينو البجعة. - إلى اللقاء. - إلى اللقاء.
غادرت بنسيون ميرامار إلى بنسيون إيفا. تسكعت بين المقاهي أشرب كأسا هنا وكأسا هناك، مبذرا نقودي بلا حساب. بالشراب أسكت وساوس القلق وأنات الحب المحتضر. ووعدت أهلي بخير لم يحلموا به منذ وفاة أبي. وذهبت إلى كازينو البجعة قبل الموعد بقليل. التقيت عند المدخل بطلبة مرزوق فضايقني جدا، ولكني صافحته متظاهرا بالارتياح. وقد سألني: ماذا جاء بك إلى هنا؟ - موعد هام. - دعني أرد إليك تحية من تحياتك، فلنجلس معا حتى يجيء صاحبك.
جلسنا في البهو الشتوي وهو يسألني بصوته الأجوف من انتفاخ شدقيه: كونياك؟
كنت ثملا ولكن كانت بي رغبة في المزيد. شربنا وتحادثنا وضحكنا. وإذا به يسألني: ترى هل يسمح لي بالسفر إلى الكويت لزيارة كريمتي؟ - أعتقد ذلك، أتريد أن تبدأ من جديد؟ - كلا، ولكن زوج كريمتي - هو ابن أخي أيضا - قد أثرى ثراء كبيرا. - لعلك تفكر في الهجرة؟
لاحت في عينيه نظرة حذرة ثم قال : كلا .. أريد فقط أن أرى ابنتي.
قربت رأسي منه وأنا أقول: هل أدلك على عزاء حقيقي؟ - ما هو؟ - البعض يضيقون بالثورة، ولكن أي نظام يمكن أن يحل محلها؟ فكر قليلا أو كثيرا فلن تجده خارجا عن واحد من اثنين، فإما الشيوعية وإما الإخوان، فأيهما تفضل على الثورة؟
قال بعجلة: لا هذا ولا ذاك.
صفحة غير معروفة