تذكرت علي بكير فلم أهنأ بالثناء. وعاد العجوز يقول: على أيامنا كان جل اعتمادها على بلاغة البلغاء.
ضحكت هازئا متوهما أني بذلك أجاري رأيه غير أنه استاء فيما بدا فأدركت أنه لم يكن ينتقد، ولكنه كان يؤرخ. وراح يقول مدافعا عن جيله: يا بني، كان هدفنا إيقاظ الشعب، والشعوب تستيقظ بالكلمات، لا بالمهندسين ولا بالاقتصاديين.
وسرعان ما تراجعت قائلا في اعتذار: لو لم يقم جيلكم بواجبه لما تحقق لجيلنا وجود.
وظل طلبة مرزوق ملازما الصمت. •••
قلبي يستعيد براءته وفتوته. مثل هذا الصباح المشرق. مثل زرقة البحر الصافية. مثل هذا الدفء المبارك. وحب الحياة يتردد مع أنفاسي، يجري مع ريقي، ينعش روحي بفرح ونهم. عملت نهارا طيبا بالشركة ثم تناولت الغداء مع صفية في مسكني القديم. نظرت إلي ببصر فأسدلت على وجهي قناع الكآبة. شكوت إليها وحشة البنسيون وبرودته. حياة لا تحتمل يا عزيزتي ولذلك وصيت سمسارا بالبحث لي عن شقة.
وترددت ألفاظ مألوفة مثل خسيس وابن حرام، ولما آن لنا أن نستريح بعد الغداء ساءلت نفسي متى أتحرر من السخرة؟
ولمحت زهرة وهي تحمل القهوة إلى حجرة عامر وجدي. دقت الساعة الكبيرة الخامسة مساء فطلبت قدحا من الشاي. جاءتني منورة كالنرجسة. أو أغنية تتغنى بسواد الشعر وصفاء السمرة وشهد العين. لمست يدها وأنا أتناول القدح وهمست: من أجلك سجنت نفسي في هذه الحجرة.
قطبت لتداري عواطفها ثم استدارت لتذهب فقلت لها قبل أن تختفي عن ناظري: أحبك .. لا تنسي ذلك أبدا.
ولكنها استجابت لمحادثتي عصر اليوم التالي. رغبت أن أعرف عنها أقصى ما يسعني معرفته فسألتها: ماذا جاء بك من الزيادية إلى هنا؟
أجابت باللهجة الريفية الأليفة: الرزق.
صفحة غير معروفة