هذا هو حقيقة الاستخفاف عند كافة العقلاء، وأما طاعة الرسول في إخلاص الدين لله، وترك دعاء الأنبياء والصالحين، فهو عين التعظيم والتوقير، فظهر أن هؤلاء قوم لا يعقلون.
وقد قرر شيخ الإسلام على قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الانبياء:٣٦] قال: فكانوا ينكرون على محمد ﷺ أن يذكر آلهتهم بما تستحقه، وهم يكفرون بذكر الرحمن، ولا ينكرون ذلك، قال: وهكذا من فيه شبه من اليهود والنصارى والمشركين، تجده يغلو في بعض المخلوقين من المشايخ والأئمة والأنبياء وغيرهم، إذا ذكروا بما يستحقونه أنكر ذلك ونفر منه. وعادى من فعل ذلك، وهو وأصحابه يستخفون بعبادة الله وحده، وبحقه وبحرماته وشعائره، ولا ينكر ذلك. ويحلف أحدهم بالله ويكذب، ويحلف بمن يعظمه ويصدق ولا يستجيز الكذب إذا حلف به. وهؤلاء من جنس النصارى والمشركين، وكذا قد يعيبون من نهى عن شركهم، كالحج إلى القبور التي يحجون إليها عادة، وهم يستخفون بحرمة الحجّ إلى بيت الله، ويجعلون الحج إلى القبور أفضل منه. وقد ينهون عن الحج اعتياضًا منه بالحج إلى القبور، ويقولون: هذا الحج الأكبر، وهؤلاء من جنس المشركين وعباد الأوثان. انتهى.
ولو بسطنا الكلام في استخفاف عباد القبور بالأنبياء والصالحين وما جاءوا به من عند الله؛ لطال الكلام، والعاقل يتنبه فينظر.
ومن المحن: أن مشائخ المذاهب الأربعة وفقهاءهم جزموا بوجوب هدم القباب ونهوا عن الطواف بالقبور ودعاء أربابها، بل ودعاء الله عندها، ومنعوا من الذبح لها والغلو فيها، بل وعن عبادة الله بالصلاة عندها. فإذا عمل بمقتضى أقوالهم عامل وألزم بها الناس نسبه هؤلاء الجهال إلى الاستخفاف بالأنبياء والصالحين وإلى مخالفة العلماء لأن العلم في عرفهم ما
1 / 30