وقيل المعني في متشابه القرآن: أن الله عز وجل خلق عباده؛ ليمتحنهم، فيثبتهم، كما قال تعالي: " إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم "، وقال: " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ".
ولو كان القرآن كله محكما؛ لا يحتمل التأويل، ولا يمكن الخلاف فيه لسقطت المحنة، وتبلدت العقول، والبطل التفاضل، والاجتهاد في السبق إلى الفصل واستوت منازل العباد.
ولكن الله جعل من الحكمة والرحمة ما صنع وقدر؛ إذ جعل بعضه محكما؛ ليكون أصلا يرجع إليه، وبعضه متشابها؛ ليحتاج فيه إلى الاستخراج، والاستنباط رده إلى المحكم، واجتهاد العقول، والفكر، ليستحق بذلك الثواب الذي هو العوض.
وإن قال قائل: إفما كان الله قادر على أن يوصل العباد إلى الثواب من غر محنة ؟ قيل له: إن الله على كل ذلك قادر، وعلى ما يشاء قدير، وليس كل ما يقدر عليه بفعله جل عن ذلك وتعالي: بل يفعل ما هو حكمة، وصواب من التدبير، ولو كان يعطي منزلة المجتهد العامل لمن لا عمل له، أو أن يتساوى أدون المؤمنين في الجنة بنبي الله عليه السلام في منزلته ودرجته. إذ كان الله على ذلك قادرا، ولهذا فسد ما سأله عنه، وبالله التوفيق، وله المنة، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله على رسوله محمد صلي الله عليه وسلم.
فصل:
صفحة ١٧٦