فإذا اشتغلت القلوب - تكدرت عن أسباب الطاعة؛ وإذا تكدرت خيف عليها أن يضعف نورها؛ وإذا ضعف النور أظلم القلب؛ وإذا أظلم القلب، أبصر بعين الظلمة؛ فيخاف أن يؤدي إليه عين الظلمة غير الصواب، وينطق لسانه عن قلبه بما أدت إليه عين الظلمة في ذلك.
وكانت تلك زلة وفتنة؛ حتى أنهم قالوا: لا تسأل العالم؛ إذا رأيت منه مللا، أو كسلا؛ وإنما: يصطاد منه حين نشاطه، وحين إقباله - وهذا شيء مبصر.
وقد قيل عن بعض الفقهاء: جمعوا القلوب، لمعني أنه لا يكثر من السؤال على كل حال؛ وإنما ينظر له جمة من السائل، وجمة من المسئول؛ وإنما هي قلوب تؤدي إليها الحواس في حينما يعرض لها النظر؛ فربما عدمت نور الحواس؛ بأشغالها ببعض؛ فلم تؤد ما كانت تؤديه عن الخلوة والجمة.
وليس الشيء ممكنا في القلب، وإنما هون يصطاد بنور القلب مع الجمة؛ فإذا أكثر على الجمة النزح خيف عليه الفراغ، وإذا فرغت - لم يؤمن على القلب الأشغال؛ وإذا جاء الأشغال؛ لم يؤمن عليها قبول ما يؤدي إليها في حين وقتها من خطأ، أو صواب؛ لعدم الخلوة.
فصل:
وقيل: يجوز لمن علم أن العبد جاهل بدينه؛ أن يعلمه بدينه، ولو لم يسأله العبد، وأما إذا سأله: فإنه يعلمه، ويرد عليه ما سأله عنه - علم أنه جاهل، أو لم يعلم.
وعلى أهل العلم: إذا سئلوا عما يعلمونه؛ أن يخبروا به كل من سألهم، أو جاءهم؛ لما أوجب الله عليه مما افترضه عليهم، وألزمهم العمل به، والانتهاء عما نهاهم عنه؛ ما لم يكن الطالب للعلم من عند أهل العلم إنما يطلب متعنتا لهم، أو طالب حجة يحتج بها على المسلمين، وهو معتذ في دينه، أو معين للظالمين، يريد بذلك [أن] يتقوى به على معصية الله، ليزداد في دنياه عند أعداء الله رفعة؛ لأنه روي عن بعض الفقهاء، أنه قال: لا تلقوا الدر في أفواه الكلاب.
صفحة ١١٧