وعلم اللسان؛ وهو تقديم المنطق الذي يستقيم به الخطاب عند تلاوة القرآن، ومذاكرة العلم، وتمييز المعاني، وهو علم جليل شريف.
وعلم الإنسان؛ وهو أن يعرف الإنسان نسبه، ومن أي أصل هو؛ فإذا عرف نسبه، وأصل حاله؛ أنه من تراب، ثم من نطفه، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يكون جنينا في بطن أمه، مجاورا فيه لما يجتمع فيه من فضول الطعام والشراب.
ثم يخرج من هناك إلى حجر أمه؛ حيث لا يجلب لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا؛ فيجري الله له لبنا من بين فرث ودم، ويجعل الله له الرحمة والرأفة، والمحبة في قلب والدته.
ثم تغذيه حتى يصير حلقا سويا، عاقلا مميزا؛ فإما مؤمن نور الله قلبه بالإيمان؛ كأنه قد ألف الأنبياء، والمرسلين، والملائكة المقربين في حضرة رب العالمين.
وإما كافر قد شغله الكفر، والعصيان، وعوقه عن الوصول إلى حضرة الرحمن، وأنقطع به إلى مجالسة الشيطان في درجات المنافقين، نعوذ بالله، ثم نعوذ بالله من همزات الشياطين، ثم أعوذ بالله أن يحضرون.
ثم إن هذا الإنسان؛ إذا نظر يعين بصيرته، واستعمل ما في فكرته لم يجد بينه وبين آدم أبا، ولا جدا حيا، كلهم أموات قادمون على ما قد قدموا من أعمالهم؛ فإما إلى راحة ونعيم، وإما إلى عذاب مقيم. وإذا اعتبر أمور من مضي منهم لم يجد لأحد منهم كراما إلا بالتقوى، وما بقي من أمورهم ضلال، وهباء؛ فهذا من علم الإنسان.
ولجميع هذه العلوم أبواب ومسائل، لا تحيط بها معرفة عارف، ولا وصف واصف، والله يهدي من يشاء من عباده إلى طريق رضاه، ولا هادي لمن أضله الله.
فصل:
وقيل؛ إن كل أحد يفوق أهل زمانه من العلماء في فن من فنون العلم؛ كما قيل في الحديث: إن "أبا بكر الصديق" (رضي الله عنه) أعلم الصحابة بالله، وأتقاهم له.
و "عمر بن الخطاب" (رضي الله عنه) أعرفهم بالسياسة، ومصالح الخلافة.
و "عثمان بن عفان" يفوقهم في الخط، وفنون الكتابة.
و "على بن أبي طالب" أحكمهم في القضاء، والبلاغة، وفنون العلم.
صفحة ١٣