كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
تصانيف
فإن قيل: إن حالة الحدوث هي حالة الاستغناء عن المحدث، فكيف يجعل علة في الاحتياج إليه.
قلنا: إنها علة كاشفة بمعنى أن الحدوث كشف عن الاحتياج إلى محدث، فهو كجعل صحة الفعل علة في كونه قادرا.
فإن قال: هلا كانت العلة في الاحتياج هو الحدوث مع الجواز، وإذا حدث مع الوجوب لم يحتج.
قلنا: بالحدوث فقط يعلم الاحتياج إلى محدث، ولا يعتبر قيدا آخر كما أن يكون الفعل ظلما بعلم قبحه ولا يعتبر حصوله مع الجواز ولا غير ذلك من القيود.
وأما أن الأجسام قد شاركتها في الحدوث فتقدم.
وأما أنه يجب أن يكون لها محدث فلأن الاشتراك في علة حكم يقتضي الاشتراك في الحكم وإلا بطل كونها علة.
وهاهنا أصل، وهي أفعالنا وفرع، وهي أفعال القديم جل وعز، وعلة، وهي الحدوث، وحكم، وهو الاحتياج إلى المحدث. وهذه طريقة من أربع طرق يجمع بها بين الشاهد والغايب، ويسمى علة الحكم لمشابهتها العلة الحقيقية في حصول الحكم عندها لا محالة.
والثانية: طريقة الحكم كاستدلالنا على أن الله تعالى قادر بصحة الفعل منه وتعذره على غيره.
فإن هذه الطريقة التي علمنا بها كون القادر قادرا في الشاهد وإن لم يسم علة، وإن حصل الشبه المتقدم لئلا يوهم أن صحة الفعل هي المؤثرة في كونه قادرا والأمر بالعكس.
والثالثة: ما يجري مجرى العلة كاستدلالنا على كونه تعالى مريدا باختلاف وجوه أفعاله، فإن ذلك هو الدليل على كون المريد مريدا في الشاهد، وإنما لم يسم علة لمثل ما تقدم، ولا سميت طريقة، لأنها لا تطرد دلالتها إلا في من تثبت حكمته، ألا ترى أن أحدنا يوجد كلامه في صورة الأمر وهو لا يريد المأمور لعارض من العوارض.
صفحة ٩٩