320

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

فصل وأما الكلام على المجبرة فجميع ما تقدم في خلق الأفعال متوجه عليهم هاهنا؛ لأن أكثر ما كلفناه فعلا وتركا من المتولدات كالصلوات والزكوات والحج وقضاء الدين ورد الوديعة والظلم والكذب والجلب والدفع والأدعية والصناعات والكتابات ونحو ذلك، ويلزمهم أن يكون الله هو المتفرد بسب نفسه وقتل الأنبياء وجميع الأكاذيب؛ لأن كل فعل ذلك متولد عن الاعتمادات.

والذي يختص هذا المكان من شبههم أن قالوا: كان يلزم أن يكون العاجز فاعلا بل الميت، بل المعدوم بأن يرمي ثم يعدم قبل الإصابة.

والجواب: أتريدون بكونه فاعلا أنه حال الموت والعجز مستعمل قدرته في الأحداث فغير لازم، أم تريدون أنه وجد من جهته بعض ما كان قادرا عليه فهو صحيح فما يلزم منه. يزيده وضحوحا: أنه يستحق الذم على الإصابة الحاصلة حال الموت أو العجز، ويصح أن يتوب من الإصابة قبل وقوعها لكونها كالواقعة بوقوع سببها وكل ذلك لا يصح في ما ليس بفعل الإنسان.

قالوا: فهذا يقتضي أن يكون قد استحق العقاب في حال موته وإن لم يستحقه في حال حياته، وهذا شنيع من القول.

قلنا: أما على قول شيخنا أبي هاشم وهو الصحيح فاستحقاق الذم على المسبب هو في حال وقوع السبب؛ لأن المسبب حينئذ يكون في حكم الواقع، ولهذا صحت التوبة عنه، ومتى منع من وقوعه مانع زال استحقاق الذم /215/ لأن استمرار استحقاق الذم مشروط بوقوعه، وأما على قول شيخنا أبو علي قيل وهو أحد قولي أبي هاشم فالذم يستحق حال وقوع المسبب، وإن كان مثبتا لأنه فعله وقد كان يمكنه أن يحترز منه بأن لا يوجد سببه وليس في ذلك إلا الشنيع وهو متروك للأدلة وهاهنا وجه قوي وهو أن المسبب إن كان صغيرا لم يستحق عليه الذم رأسا وإن كبيرا فسببه كبير.

صفحة ٣٢٦