إذا ثبت هذا قلنا: أخبرنا عن القصد الذي صار الفعل طاعة أو معصية هل هو فعل الله فقد أبطلت مذهبك ولم يبق لذكر الكسب فائدة أو هو فعل العبد فقد أثبت العبد فاعلا لفعل لم يفعله الله أو هو كسب للعبد، وفاعله الله، فيحتاج إلى كسب آخر، ويتسلسل، وبعد فأخبرنا عن هذه الصفة هل تقف على اختيار العبد، فكان يصح أن يوجد الله الفعل ولا يكتسبه العبد بأن لا يختار الكسب ولا يقف على اختياره، فما الفرق بينها وبين الإيجاد ، ولم كان إحدى الصفتين بأن يكون كسبا أولى من الأخرى، وبعد فمن أصلنا أنه لا يقدر على صفة للذات من دون معنى، إلا موجد تلك الذات كالكلام، فإنه لا يجعله خبرا إلا الذي أوجده، فكذلك لا يجعل الفعل طاعة إلا الذي أوجده، وبعد، فلو سمى أحدنا مكتسبا لأجل أنه صير /198/ الفعل على صفة لكان أحدنا مكتسبا للجسم إذا صيره على صفة المتحركية، وبعد فكثير من مخققيهم كأبي إسحاق والغزالي والجويني والرازي لا يثبتون الصفات، فما معنى الكسب عند هؤلاء، وقال بعض مشائخهم: الكسب هو ما وقع بقدرة محدثه، فقال لهم أصحابنا: أتريدون بقولكم وقع حدث فهو الذي يقوله أو يريدون الكسب، فعن الكسب سألناكم، وقال بعضهم: الكسب هو ما حله مع القدرة عليه، وهذا متهافت؛ لأن الفعل إنما يخل بعض الفاعل، ولأن إثبات القدرة فرع على إثبات أحدنا قادرا، وذلك فرع على كونه فاعلا، وإذا كان الله أحدث الفعل فما معنى القدرة عليه، ولأن قولهم عليه يفيد أن القدرة مؤثرة فيه، فيقال: ما تأثير القدرة، هل في الإيجاد، فهو المطلوب أو في الكسب، فعنه وقع السؤال. على أنهم احترزوا بمحل القدرة عن المتولد، وهو جهالة؛ لأن في المتولدات ما يوجد في محل القدرة عليه كالعلم المتولد عن النظر وكالتأليف.
صفحة ٣٠١