278

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

قلنا: ولم لا يجوز وقد جاز ذلك في الشاهد، أليس أحدنا يقول في نفسي كلام هو أن زيدا في الدار وهو يعلم أنه ليس فيها. وبعد فكثير منكم يذهب إلى حسن الكذب الذي فيه نفع ومصلحة كالحلف في الوعيد، فهلا كان المعنى القائم بذاته كذبا حسنا لنفع فيه وصلاح لا تعلمونه أو ليكون كذبا من وجه دون وجه كما أنه أمر من وجه ونهي من وجه.

وعلى الجملة فنحن نلزمهم الكذب في الكلام الذي عبارة عن المعنى النفسي، فلا نثبت دلالته على المعنى النفسي. إلزام يقال لهم: إذا صح أن يفعل الظلم صح أن يأمر به وكل وجه يذكرونه في المنع من الأمر به قائم في المنع من فعله، ولا يقال أليس أمر الله تعالى بالصلاة ولا يفعلها لأنا نقول هذا عكس ما ألزمناهم؛ لأنا ألزمناهم صحة أن يأمر بما يفعله لا صحة أن يفعل ما أمر به.

إلزام يقال: إذا صح ان يفعل القبائح ولا يقبح فهلا جاز أن ينصب الأدلة على الباطل ويكون الحق عكس ما تقتضيه الأدلة، فلا تحصل الثقة بأن ما عليه المسلمون حق وليس تجويزه بأعظم من تجويز أن يضل عن الدين ويخلق اعتقاد الباطل والحيل والجهل بالأدلة وتكذيب الأنبياء ونحو ذلك مما يجوزونه ولا يقبح منه.

إلزام يقال: إذا جاز أن يخلق الضلال والباطل والكفر والكذب، فهلا جاز أن يبعث رسولا يدعو إلى ذلك ولا يقبح منه، فليس بعثه من يدعو إلى الضلال بأعظم من خلق الضلال، ومتى جاز ذلك فكيف يمكن القطع بأن الأنبياء دعوا إلى الحق.

إلزام يقال: إذا كان لا يقبح منه قبيح فهلا جاز ان يظهر المعجز على الكذابين ولا يظهره على الصادق فلا يوثق بصدق نبي ولا كذب متنب وقولهم إن المعجز موضوع للتصديق كلام فارغ؛ لأنه إنما يثبت ذلك إذا ثبت أن المدعي صادق وأن الله حكيم، والسائل ألزمهم كذب جميع الأنبياء وإن ظهر عليهم المعجز.

تنبيه: وكما يلزمهم جميع هذه الإلزمات فإنه يلزمهم أن لا يحتالوا للانفصال عنها، وأن لا يستنكروا إلزامها ويتكلفوا الجواب عنها؛ لأنه لا يتصور فيها قبح عندهم لو صدرت منه تعالى.

صفحة ٢٨٣