كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
تصانيف
وأما توبته عليه السلام فهي إما لأن طريقه الأنبياء والصالحين كثير التوبة والاستغفار وأنهم لم يكن لهم ذنب لا سيما إذا رأوا نزول العقوبة بغيرهم، وبكون سبب الصاعقة في حقه على هذا التأويل، هو الفزع من عظيم قدرة الله تعالى، كما يروى مثله عن محمد عليه السلام حين رأى جبريل في صورته الهائلة، وأما لأنه يسأل بحضرة القوم من غير إذن فكان ذلك ذنبا وبكون الصاعقة في حقه على هذا امتحانا لا عقوبة، وإن كانت في حقهم عقوبة إنما يفترق ذلك بالقصد كما أن سبب دخول بيت المقدس وقتل بني إسرائيل هو الكفر والمعاصي وبكون ذلك ابتلاء في حق من لم يكفر منهم.
وأما قولهم: كيف طلب بالسؤال المنع من الرؤية في السمع ولم يطلب دليلا سمعيا في مسألة قولهم: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} وغير ذلك، فهو اقتراح على موسى في أفعاله ويحكم عليه في ما يختاره. على أن مسألة الرؤية مما يشتبه الحال فيه ويحتاج إلى نظر دقيق بخلاف غيره، ولهذا اختلف المسلمون في مسألة الرؤية، ولم يختلفوا في جواز إثبات إله ثان. وبعد فما أنكرتم أن ثم مضافا محذوفا بعدك أرني أنظر إلى عظيم سلطانك لأزداد به يقينا كما سأله إبراهيم عليه السلام مثل ذلك، ويكون تقدير الجواب لن ترى عظيم سلطاني في الدنيا لأن أهل الدنيا يضعفون عن ذلك، ولكن انظر إلى الجبل فسأريك فيه آية دون ما تريد، فإن استطعت بصر ذلك فسوف ترى عظيم سلطاني.
صفحة ٢٣٦