ومنها: العلم بالبداية، نحو أن الكل أكثر من الجزء. ومنها: العلم بالمحسوسات، نحو: إن الشمس منيرة، وأن الكافور أبيض، ويدخل فيه الخبر؛ لأنا إنما نعلم أن النار محرقة بعد مشاهدة ذلك،ويدخل أيضا العلم بالأمور الجلية قريبة العهد؛ لأن الله تعالى يحدد فينا العلم بها من حال المشاهدة، ويدخل فيه أيضا العلم بتعلق الفعل بفاعله، فلا وجه لعد هذه أقساما مستقلة.
ومنها: العلم بمخبر الأخبار المتواترة عند غير أبي هاشم، نحو: إن في الدنيا مكة، وإن في الملوك كسرى. وهذا وإن استند إلى المشاهدة فليس يدخل في تسميتها؛ لأن المشاهد هنا هم المخبرون بخلاف الخبرة والتجربة.
ومنها: العلم بأن الشيء لا يخلو من نفي وإثبات، نحو: إن زيدا إما في الدار أو ليس فيها.
ومنها: العلم بقصد المخاطب فيما يتجلى إذا عرفت ذاته ضرورة.
ومنها: العلم بأنه لا فيل بحضرتنا، والعلم بأنه لو كان لرأيناه.
ومنها: العلم بوجوب بعض الأفعال كرد الوديعة وشكر المنعم، وقبح بعضها كالظلم والكذب، وحسن بعضها كإرشاد الضال وإنقاذ الغريق وحسن الأخلاق. والذي يدل على أن هذه العلوم هي العقل أنا نعلم في من اختص بها أنه عاقل وإن جهلنا كل أمر، ويعلم في من فقدها أو بعضها أنه ليس بعاقل، وإن علمنا كل أمر.
وبعد فالعقل إما أن يكون ضدا لهذه العلوم فلا يصح مجامعته لها، أو مخالفا فيصح انفصاله عنها ويجب، وأن لا ينفيه أضدادها، وكله محال، وإما أن يكون مثلا لها، وهو المطلوب.
وبعد فلو كان غيرا لها لوجب أن نجد من أنفسنا حالا أو حكما يستدل به عليه، ونحن لا نجد من أنفسنا، سواء كوننا عالمين بهذه العلوم.
وقد ذهب جمهور أهل الخبر إلى أن العقل قوة يمكن معها إدراك المعقولات، ويبطله أن القوة هي القدرة والقدرة يصح وجودها، ولا عقل.
وبعد /16/ فكثير من المعقولات غير مدرك، وما كان منها مدركا فالعقل زائدا على إدراكه، ولهذا قد يدركه من لا عقل له.
صفحة ٢٤