الوجه السادس: خرج على مذهب أبي هاشم وهو أن يعتقد أحدنا تقليدا أن زيدا في الدار، ثم يبقى هذا الاعتقاد إلى أن يشاهده فيها، فإنه يصير وجها في كون ذلك الاعتقاد علما؛ لأنه من فعل العالم بالمعتقد، وهذا مبني على مذهبه في بقاء الاعتقادات، وقد ذهب الجمهور إلى أنها لا تبقى.
وقال أبو علي: يبقى الضروري دون المكتسب.
حجة الجمهور: أن الباقي لا ينفى إلا بضد أو ما يجري مجراه، وأحدنا خرج عن كونه عالما لا الضد، ولا إلى ما يجري مجراه، والشك والسهو ليسا معينين.
وبعد فلو بقيت العلوم لما احتاج أحدنا إلى تكرار الدرس، ولوجب في من سمع سبا أن يحفظه ولا يزول عنه.
فصل
قد يحتاج العلم إلى العلم إما لكونه أصلا له كاحتياج العلم بالحال إلى القلم بالذات، وإما لكونه طريقا إليه كاحتياج العلم بكونه تعالى موجودا إلى العلم بكونه قادرا، والفرق بين أصل الشيء وطريقه أنه لا يصح حصوله من دون أصله، ويصح حصوله من دون طريقه، ولهذا يصح /14/ أن يخلق الله تعالى فينا علما ضروريا بكونه موجودا، وإن لم يعلم كونه قادرا، ولا يصح أن يفعل فينا العلم بصفة الذات دون العلم بالذات.
فصل
والعلوم قد تماثل وقد تختلف، ولا يضاد الاستحالة تعلق العلم بالشيء لا على ما هو به، وذلك شرط التضاد.
ويعرف تماثلها باتحاد المتعلق، والوجه والطريقة والوقت، كأن يعلم زيدا على صفة مخصوصة في وقت مخصوص جملة أو تفصيلا، فإنها تكون متماثلة لاتفاقها في أخص ما يثنى عن صفة ذاتها ولتماثل موجبها، ولأن الضد الواحد يبغيها كلها، ويعرف الاختلاف بتعدد(1) أحد هذه الوجوه المذكورة، ولم يشترط ابو هاشم إيجاد الطريقة بناء على مذهبه في أن العلم الجملي لا يتعلق ولا اشترط اتحاد الوقت بناء على مذهبه في بقاء الاعتقادات.
صفحة ٢١