[فصل فيما يعرف به أن كون العلم اعتقاد]
قيل له: ولو كانت الحركة كونا؛ لكان كل كون حركة. والتحقيق أنه لم يكن علما بمجرد كونه اعتقادا، بل لأنه اعتقاد واقع على وجه مخصوص.
فصل
والذي به يعرف كون الاعتقاد علما هو سكون النفس، عند الجمهور.
وقال أبو علي بسلامة طريقه من الانتقاض
وقال الجاحظ: قد يكون الجاهل ساكن النفس. والذي يبطل قول أبي علي أن في العلوم ما لا طريق إليه كالبديهي وغيره، وإنما يعرف كونه علما /9/ بأمر يرجع إليه، وأنه إنما يعرف سلامة طريقه من النقص بعد أن يعرف كون الاعتقاد الحاصل عنها علما.
شبهته رحمه الله هو أنا لا يمكن من تعريف الغير بأن اعتقادنا علم وأن اعتقاده ليس بعلم إلا ببيان سلامة طريقنا دون طريقه.
والجواب عليه: أن هذا لا يوجب ما ذكره؛ لأنا لو أمكننا أن نعرف الغير بسكون أنفسنا لكان ذلك هو الواجب.
والذي يبطل قول الجاحظ: أن الجاهل إنما يتصور بصورة ساكن النفس بدليل أنه لو شكك عليه لبطل(1) اعتقاده.
فصل
وهذا الحكم أعني سكون النفس الذي به فارق العلم غيره يعلم ضرورة عن الشيخ أبي عبد الله، سواء كان الاعتقاد المقتضي له ضروريا أو استدلاليا.
وقال الجمهور: يعلم ضرورة إن كان المقتضي له ضروريا، أو استدلالا إن كان المقتضى له استدلاليا. حجة أبي عبد الله أن كل حكم ضروري يثبت في موضع بطريق، فإنه يثبت بها في سائر المواضع.
واعترضه الجمهور بأنه اعتماد على مجرد الوجود، ويمكن أن يحتج لصحة مذهبه بأنه لا يمكن الإشارة إلى من يجعله دليلا على أنفسنا ساكنة.
وبعد، فكان يلزم صحة أن ينظر أحدنا في الدليل على الوجه الذي يدل فيعلم المدلول ولا يعلم أن نفسه ساكنة بأن لا ينظر في هل هي ساكنة أم لا، أو بأن ينظر في ذلك لا على الوجه الصحيح. وعلى الجملة فلا بد أن يكون محوزا حال النظر في ذلك، وقد ثبت أن أحدنا عند أن يحصل له العلم لا شك في سكون نفسه.
صفحة ١٤