187

شرح النووي على صحيح مسلم

الناشر

دار إحياء التراث العربي

الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٩٢

مكان النشر

بيروت

عَبْدِ الْقَيْسِ إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ بن عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ بَلْ حُكْمُهُ بَاقٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ قَوْلُهُ ﷺ (مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ وَأَكْثَرَتْ مِنْهُ تُرِيدُ بِهِ الْبِرَّ وَحُسْنَ اللِّقَاءِ وَمَعْنَاهُ صَادَفْتُ رَحْبًا وَسَعَةً قَوْلُهُ ﷺ (غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى) هَكَذَا هُوَ فِي الاصول الندامى بالالف واللام وخزايا بِحَذْفِهِمَا وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا وَرُوِيَ بِإِسْقَاطِهِمَا فِيهِمَا وَالرِّوَايَةُ فِيهِ غَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْحَالِ وَأَشَارَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ إِلَى أَنَّهُ يُرْوَى أَيْضًا بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الصِّفَةِ لِلْقَوْمِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ الذين جاؤا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الْخَزَايَا فَجَمْعُ خَزْيَانَ كَحَيْرَانَ وَحَيَارَى وَسَكْرَانَ وَسَكَارَى وَالْخَزْيَانُ الْمُسْتَحِي وَقِيلَ الذَّلِيلُ الْمُهَانُ وَأَمَّا النَّدَامَى فَقِيلَ إِنَّهُ جَمْعُ نَدْمَانَ بِمَعْنَى نَادِمٍ وَهِيَ لُغَةٌ فِي نَادِمٍ حَكَاهَا الْقَزَّازُ صَاحِبُ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَعَلَى هَذَا هُوَ عَلَى بَابِهِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ نَادِمٍ اتِّبَاعًا لِلْخَزَايَا وَكَانَ الْأَصْلُ نَادِمِينَ فَأُتْبِعَ لِخَزَايَا تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ وَهَذَا الْإِتْبَاعُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ مِنْ فَصِيحِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ أَتْبَعَ مَأْزُورَاتٍ لِمَأْجُورَاتٍ وَلَوْ أَفْرَدَ وَلَمْ يَضُمَّ إِلَيْهِ مَأْجُورَاتٍ لَقَالَ مَوْزُورَاتٍ كَذَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَاتٌ قَالُوا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ إِنَى لَآتِيهِ بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا جَمَعُوا الْغَدَاةَ عَلَى غَدَايَا إِتْبَاعًا لعشايا ولو أفردت لم يجز الاغدوات وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ تأخر عن الاسلام ولا عناد ولاأصابكم إِسَارٌ وَلَا سَبَاءٌ وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَسْتَحْيُونَ بِسَبَبِهِ أَوْ تَذِلُّونَ أَوْ تُهَانُونَ أَوْ تَنْدَمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ) الشُّقَّةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأَفْصَحُهُمَا الضَّمُّ وَهِيَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ لُغَةُ قيس والشقة السفر البعيد كذا قاله

1 / 187