154

شرح النووي على صحيح مسلم

الناشر

دار إحياء التراث العربي

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٩٢

مكان النشر

بيروت

لغتان مشهورتان وحكاهما بن قُتَيْبَةَ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَقَالَهُمَا غَيْرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ ﵎ قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ فِي الْقِدَمِ وَعَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ ﷾ وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا ﷾ وَأَنْكَرَتِ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ﷾ لَمْ يُقَدِّرْهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ ﷾ بِهَا وَأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةُ الْعِلْمِ أَيْ إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ ﷾ وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لِإِنْكَارِهِمُ الْقَدَرَ قَالَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَدِ انْقَرَضَتِ الْقَدَرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّنِيعِ الْبَاطِلِ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ وَصَارَتِ الْقَدَرِيَّةُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَعْتَقِدُ إِثْبَاتَ الْقَدَرِ وَلَكِنْ يَقُولُونَ الْخَيْرُ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرُّ مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَقَدْ حَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ وَأَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادُ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ بَعْضَ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ لَسْنَا بِقَدَرِيَّةٍ بَلْ أَنْتُمُ الْقَدَرِيَّةَ لِاعْتِقَادِكُمْ إِثْبَاتَ القدر قال بن قُتَيْبَةَ وَالْإِمَامُ هَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ ومباهتة وتواقح فان أهل الحق يفوضون أمورهم إِلَى اللَّهِ ﷾ وَيُضِيفُونَ الْقَدَرَ وَالْأَفْعَالَ إِلَى اللَّهِ ﷾ وَهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ يُضِيفُونَهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَمُدَّعِي الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَمُضِيفُهُ إِلَيْهَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُهُ لِغَيْرِهِ وَيَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ شَبَّهَهُمْ بِهِمْ لِتَقْسِيمِهِمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي حُكْمِ الْإِرَادَةِ كَمَا قَسَّمَتِ الْمَجُوسُ فَصَرَفَتِ الْخَيْرَ إِلَى يَزْدَانَ وَالشَّرَّ إِلَى أَهْرَمْنَ وَلَا خَفَاءَ بِاخْتِصَاصِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْقَدَرِيَّةِ هَذَا كلام الامام وبن قُتَيْبَةَ وَحَدِيثُ الْقَدَرِيَّةِ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَوَاهُ أبو حازم عن بن عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِنْ صَحَّ سماع أبى حازم من بن عُمَرَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا جَعَلَهُمْ ﷺ مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبِهِمْ مَذْهَبَ الْمَجُوسَ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ فَصَارُوا ثَنَوِيَّةً وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ يُضِيفُونَ الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّرَّ إِلَى غَيْرِهِ وَاللَّهُ ﷾ خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ ﷾ خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الْفَاعِلَيْنِ لَهُمَا مِنْ عِبَادِهِ فِعْلًا وَاكْتِسَابًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قال الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَحْسَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ معنى القضاء

1 / 154