252

منهج الطالبين وبلاغ الراغبين

فإن قال: وما التوحيد عندك؟ قيل له: هل القول: واحد " ليس كمثله شيء " " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " وأنه ليس بجسم، ولا بجوهر، ولا يوصف بالاجتماع، والافتراق، والحركة والسكون، ولا يحل في شيء، ولا تحويه الأقطار، ولا يتصور في الأوهام، وأنه يعرف بأفعاله، ودلائله التي ينصبها لخلقه؛ ليستدلوا بها عليه، ولا يعلم بخس، ولا إشارة، فإن قال: فما أول ما أنعم به عليك؟ قيل له: خلقه إياي حيا، فإن قال: فما أول ما أنعم به عليك؟ قيل له: خلقه إياي حيا، فإن قال: فما أول ما افترض الله عليك؟ قيل له: معرفته، فإن قال: فما المعرفة؟ قيل له: هو القول: بأنه واحد ليس كمثل شيء، فإن قال: فبم عرفته؟ قيل له: بنفسي، وما أشاهده؛ لأني وجدت نفسي محدودا مؤلفا: ما آكل به غير ما أشم به، وما أشم به غير ما أسمع به، وكذلك النظر، وما أشبه ذلك.

فإن قال: ما الدليل على أن خالقك لا يشبهك؟ قيل له: لو أشبهني لجري عليه ما يجري على من الضعف، والحاجة، ولم يكن هو بالقدم أولي مني، ولا أنا بالحدث أولي منه، فعلمت أنه لا يشبهني عز وجل عن ذلك.

فإن قال: فما الدليل على أن خالقك واحد ليس باثنين؟ قيل له: لو كانا اثنين لكان لا يخلو أن يقدر كل واحد منهما على منع صاحبه، أو لا يقدر، فإن كان يقدر فصاحبه عاجز، لو كانا اثنين لكان لا يخلو كل واحد منهما أن يستسر سرا دون صاحبه، ولا يقدر على ذلك أو لا يقدر؛ فإن كان يقدر فصاحبه عاجزا، وإن كان لا يقدر أن يستسر سرا دون صاحبه؛ فهو عاجزا أيضا.

فعلمنا أن خالق الأشياء واحد ليس باثنين؛ تعالي الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا.

صفحة ٢٥٥