وهكذا نرى أن الفنون التي كانت تسود الأقاليم العربية كانت من أسباب اتخاذ الفن العربي المتطور، منها وجهات إقليمية متباينة داخل إطار الوحدة التي أشرت إليها.
وإذا انتقلنا من هذا إلى تطور الفن في العهد العربي من تاريخ تلك الأقاليم، تبينا أن الخاصية الرئيسية لهذا التطور ترتبت على دخول الشعوب العربية الأصيلة في تلك الأقاليم في المجتمع الجديد، بمواهبها وأذواقها وأساليبها، فنشأ من ذلك الفن الجديد، تلتقي فيه - كما قلت في مستهل الحديث - العناصر القديمة بالعناصر الجديدة.
ذكر المؤرخون أن الزخارف الجصية في دير السوريان بوادي النطرون هي الزخارف العباسية العراقية المنتشرة في أرجاء الدولة العربية، وذكر المؤرخون أيضا أن الأبواب الخشبية في كنيسة السيدة بربارة لا تختلف في شيء عن مثيلاتها في العصر الفاطمي.
نرى إذن أن الفن يوضح كيف أثمر التفاعل والتداخل في بناء الحضارة الجديدة في جو السماحة، في جو الكرامة؟ على أن الأقاليم العربية لم تجر الأمور فيها على وتيرة واحدة؛ فمنها ما عمه طوفان البداوة كما في المغرب، أو المتبربرين كما في العراق، أو انقطع نموه وتطوره كما في الأندلس بجلاء العرب.
ومن تلك الأقطار ما بقيت فيه حلقات التطور متصلة؛ وهذا بصفة خاصة في سوريا ومصر.
ولكن هل تعني اتصال الحلقات أننا نستطيع أن نصف الفن في طوره الراهن بأنه امتداد للفن العربي، الذي كان موضوع هذا الحديث، لا جدال في أنه توجد في وقتنا الحاضر، في حياتنا الفنية، وفي مطالب الحياة عموما من النزعات والمؤثرات والمشكلات ما يبرر القول بأن الفن قد دخل طورا جديدا قليل الصلة بالفن كما ورثناه، ليس معنى ذلك أنه مات؛ فالفن القوطي في أوربا مثلا له بداية وله نهاية معروفتان - ولكن تأثيره لم ينته بتلك النهاية - يؤثر إذا ما استدعى الذوق محاكاته، ويؤثر إذا ما تدخل عنصرا أو أسلوبا في تركيب فني معين، وقد يصدق هذا على الفن العربي: أنه بعد أن أدى ما أدى في المجتمع العربي قد تحول إلى طراز أو أسلوب تاريخي له حيويته وله رسالته.
تعبير العلم عن الشخصية العربية
وكيف يعبر العلم عن الشخصية العربية؟
نفهم أن الفن أو الأدب يفعل ذلك، ولكن العلم؟ لقد قيل: إنه لا وطن له، وإذا صح ذلك، فهو شائع في الأوطان وشائع في الأزمنة.
ولكن هذا لا يصح، أن العلم الذي ينتقل من وطن إلى وطن، أو من زمن إلى زمن لاحق، هو العلم المستخدم في تسخير القوى الطبيعية والحية لمنفعة الإنسان.
صفحة غير معروفة