من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
تصانيف
11
ويجيب يحيى بن عدي عن المسألة الأولى عن طريق شرح ثامسطيوس لكلام أنكساجوراس ثقة من ابن عدي بالشارح اليوناني. والجواب عن المسألة الثانية بتحليل لفظ المساواة يتضح صواب رأي الحكيم. والجواب عن الثالثة الظن بأن كل جسم في مكان، وأن علة مكانية الأجسام جسميتها وهم لا يلزم الحكيم. والجواب عن الرابعة في صواب ما قاله الحكيم في تحديد الزمان. والجواب عن الخامسة، شك يحيى النحوي، هو أن الحكيم قال بأن القوة متناهية، وليس الجسم، وفرق بين الجسم وقوته. والجواب عن السادسة بأن الله علة فاعلة للفلك ومكون له وأقدم منه، وفرق بين التكوين والحدوث، كما بين الحكيم في قاطيغورياس. والجواب عن السابعة صواب رأي الحكيم أن المعاند للإيجاب سلبي دون إيجاب ضده، وكما شرح أبو بشر. والجواب عن الثامنة من شرح أبي بشر لقاطيغورياس أن العرض ليس جنسا للتسع مقولات. وجواب التاسعة قوة البرهان على أن المقولات عشر. وجواب العاشرة ما قاله الإسكندرانيون في حل الشك في حمى الدق اعتمادا على القياس والمعقول. وجواب الحادية عشرة أن الفلاسفة لم يستعملوا أقسام الجسم على أنها أجناس أو أنواع، بل فصول. وجواب الثانية عشرة أن العناية تعم كل الأشياء المعلولة، وإن لم تكن على قدر متساو؛ مما جعل البعض يظن أنها للبعض دون البعض الآخر. وعلى هذا يتفق الفيلسوفان الجليلان أفلاطون وأرسطو على الرغم من ظن البعض أنهما مختلفان، وهو ما لا يتفق مع عظمة الفيلسوفين ولا حقيقة الفلسفة، إنما الخلاف في الرؤية؛ ظن أفلاطون العناية شاملة لكل المعلولات، في حين أنها عند أرسطو تنتهي إلى كليات الكائنات الفاسدة، وكلاهما تعظيم لله؛ الأول للإرادة؛ فالعناية الشاملة للكل والجزء، والثاني للعقل، العناية للجزئيات الفاسدة عن طريق كلياتها. وقد أفسد هذا اللقاء برقلس الأفلاطوني بتأييده أفلاطون على أرسطو مدافعا عن إيمانيات أفلاطون على عقليات أرسطو. ويعتذر ابن عدي عن الجواب على المسألتين الطبيتين لأنه غير خبير بهذه الصناعة؛ مما يدل على تواضعه وأمانته العلمية.
12
أما الموروث فإنه لا يتعدى السائل اليهودي عرس بن عثمان بن سعيد الموصلي، وعدم استطاعة أبي إسحاق إبراهيم بن بكوس الرد على تساؤلاته، ولا شيخ ابن عدي أبا سعيد. وقد يكون السائل هو بشر بن سمعان اليهودي اعتمادا على كتاب ابن أبي سعيد عرس بن عثمان بن سعيد اليهودي الموصلي صاحب بني عمران. وقد سأل عيسى بن أسيد عن سبب كون المقولات عشرة، وميله إلى أنها أكثر طبقا لرأي أرسطو. ويكشف السياق عن اشتغال اليهود أيضا بالوافد اليوناني، وليس النصارى وحدهم. وكانت هناك مراسلات بينهما حول الشكوك على أرسطو. ويعتذر ابن عدي عن عدم مناقشة هذه المسائل شفاها مع أبي إسحاق إبراهيم بن بكوس، واستفتاء الشيخ أبي سعيد في ذلك، والاكتفاء بالرد المكتوب في ثقافة تزاوج بين الشفاه والتدوين. كما يظهر أبو بشر متى بن يونس، رضي الله عنه، شارحا لأرسطو، خاصة قاطيغورياس، واعترافا بمشيخته.
13
ويحيى النحوي بين الوافد والموروث.
وتتضح الدوافع الدينية في الأسئلة والأجوبة، ليس فقط من حيث الشكل والأسلوب، بل أيضا من حيث المضمون والتصور؛ فالأسئلة والأجوبة تبدأ بالبسملة وتنتهي بحسبنا الله ونعم الوكيل، والله ولي التسديد، وهو حسبه كافيا ومعينا، وله الحمد المستحق له. لا فرق بين يهودية السائل، ونصرانية المجيب، وإسلام الناسخ والقارئ. كما تتوجه الأسئلة والأجوبة بالدعوات للسائلين والمجيبين بطول العمر والبقاء، وبتأييد الله، وزيادة في العلم، ونفع الناس به، وعز الله، والعشم بالله على التشوق لمعرفة الحق، واللجوء إلى المشيئة الإلهية. وفي الإجابة دعوة بأن يفيض الله على السائل من نور الحكمة، وأن يزيد الله من علمه، ولا يوصف الله إلا بعبارات التنزيه، مثل جل وتعالى، الباري جل اسمه، تقدست أسماؤه، جل ثناؤه إلى خلائقه.
14
أما من حيث المضمون فيتضح التصور الديني للعالم في موضوع العناية الإلهية، هل هي شاملة للكليات الباقية دون الجزئيات الفاسدة كما يقول أرسطو؟ وهو ما اتهم به حكماء المسلمين بإنكار علم الله بالجزئيات، كما قال أرسطو، تحولا من العناية إلى العلم. يرى أفلاطون أن الله علة فاعلة في العالم، ويراه أرسطو مفارقا له، وهو الصراع الشهير عند المتكلمين بين التشبيه والتنزيه عند الأشاعرة والمعتزلة، وبين الإرادة والعقل، بين الغزالي وابن رشد. وهناك من أنكر العناية كلها بالكليات والجزئيات معا إيثارا للنظرة العلمية الآلية، تفسير الطبيعة بنفسها، كما هو الحال عند أفيقورس وديمقريطس؛ فالعناية صفر لا معنى لها ولا وجود لها البتة، وإن كل شيء يجري بالاتفاق، اتفاق الأجزاء التي لا تتجزأ من الأشكال. وهو ما يفسر كل ما في العالم من التغاير.
15 (ج) وفي مقالة «التوحيد» من الوافد يذكر أرسطو والسماع الطبيعي مرة واحدة، ومن الموروث «متكلمي عصرنا» مرة واحدة؛ فهو من حيث الشكل طبقا لتحليل المضمون أقرب إلى تمثل الوافد قبل تنظير الموروث، ومن حيث المضمون أقرب إلى الإبداع الخالص نظرا لطول الرسالة وقلة الإحالة .
صفحة غير معروفة